الأربعاء، 27 مايو 2009

السياسة الدولة


ذ: الزغداني الدولة
تمهيد وطرح إشكالي:
يتحدد الإنسان ككائن مدني و سياسي بالضرورة،لكونه على خلاف باقي الكائنات الحية الأخرى، يميل إلى العيش داخل مجتمع يسوده النظام، المبني على مبادئ وقيم العقل،لا على رغبات الشهوة و دوافع الغريزة، مما يضمن له الحفاظ على الحياة و الأمن والاستقرار.وقد شكلت الدولة أرقى مؤسسة سياسية عرفتها البشرية لحد الآن. وفي هذا الإطار يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو:"إن الدولة من الأمور الطبيعية، وأن الإنسان بطبعه حيوان مدني" و المقصود بذلك أن الإنسان كذات واعية وكذات ناطقة، عمل على تجاوز حالة الطبيعة حيث هيمن حق القوة، و الانتقال إلى حالة المجتمع والمدنية حيث تسود قوة الحق.
فما الدولة؟وما الغاية من وجودها؟وما مدى مشروعيتها؟ثم ما طبيعة سلطتها السياسية؟
وأخيرا كيف تحتكر الدولة حق ممارسة العنف؟


01ــ دلالة مفهوم الدولة:ما الدولة؟
تتحدد الدولة كبنية قانونية، تتمتع بمجموعة من السلطات التي تمارس من خلال عدة مؤسسات سياسية وإدارية، كما تتوفر على أجهزة زجرية (Répressif ) لحفظ الأمن وحماية النظام، وأجهزة إيديولوجية، وعسكرية أيضا. وتشكل السيادة souveraineté)) القاعدة الحقيقة للدولة، و تتجلى في امتلاكها السلطة الشرعية على جميع مواطنيها، واستقلالها عن سيطرة أية دولة أخرى.إن سلطة الدولة تمر عبر مؤسسات متعددة تمارس على الأفراد نوعا من "العنف المشروع".
يتضح لنا أن مفهوم الدولة ينطوي على مفارقة صميمية، تتمثل في كونها وسيلة لحماية وضمان الحريات من جهة أولى و أداة للهيمنة من جهة ثانية.

مشروعية الدولة:من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟
من بين الأطروحات الفلسفية القديمة التي اهتمت بالبحث في أصل الدولة،هناك نظرية الحق الإلهي[الدولة التيوقراطية]، التي أرجعت أصل الدولة إلى الدين،معتبرة أن الحاكم بمثابة إله،أو ابن إله، كما هو الشأن لدى الفراعنة في مصر القديمة،أو أباطرة اليابان.وقد تغيرت هذه النظرية قليلا في العصور الوسطى، بحيث أصبح ينظر إلى سلطة الحاكم،وكأنها نابعة من تفويض إلهي....
غير أن فلاسفة العقد الاجتماعي في أوربا( هوبز ولوك وروسو...) تجاوزوا هذه النظرية
معتبرين أن الدولة تقوم بالأساس على عقد اجتماعي،يتخلى بمقتضاه الأفراد عن بعض حقوقهم الطبيعية لصالح حاكم أو جماعة، مقابل ضمان حقوق مدنية،وسياسية، تجنبهم مآسي "حرب الكل ضد الكل"وتضمن لهم الحرية والأمن. وقد كان كل من ماكيافيل و بودان هما أول من استعمل مصطلح الدولةEtat بمفهومه الحديث.


02 ــ غاية الدولة ومشروعيتها:
أـ مشروعية الدولة حسب جون لوك:يرى الفيلسوف الإنجليزي لوك أن مشروعية الدولة تتأسس على ضرورة حماية أمن الناس وسلامتهم وممتلكاتهم،يقول"يبدو لي أن الدولة جماعة من الناس تكونت لغرض وحيد هو المحافظة على خيراتهم المدنية وتنميتها" والمقصود بذلك أن مشروعية الدولة تنحصر في الجانب المادي ولا تتجاوزه إلى المستوى العقدي أو الروحي.يتبين لنا هنا بداية الفصل بين المشروعية الدينية والمشروعية السياسية(الدنيوية).
[أما] ب ــ مشروعية الدولة حسب سبينوزا:إن الغاية من تأسيس الدولة حسب سبينوزا هي تحرير الإنسان من العنف والخوف، لتجعل منه كائنا يتمتع بجميع قواه الطبيعية، الجسمية والفكرية. فهو يستخدم عقله بكل حرية، ويعيش في أمان، شريطة أن لا يتصرف ضد سلطتها حيث يقول"وعلى ذلك فإن كل من يسلك ضد مشيئة السلطة العليا يلحق بها الضرر" بمعنى ضرورة الامتثال لسلطة الدولة ولقراراتها،مع إمكانية الاعتراض والنقد،لكن بعيدا عن ممارسة العنف والخداع،مما يعني وجوب استعمال أسلوب الحوار والاحتكام إلى مبادئ العقل.
[بينما] ج ــ لامشروعية الدولة حسب كارل ماركس وانجلز: نظرية المادية التاريخية:لقد قاما هذان المفكران بانتقاد التصورات الفلسفية السابقة لكونها تزعم بأن قيام الدولة كان بدافع الإرادةالطيبةو يستهدف الخير الأسمى لجميع الأفراد، في حين أن نشأة الدولة كان حصيلة صراع طبقي بين الطبقة المهيمنة والأخرى المستضعفة، وليس لتفادي "حرب الكل ضد الكل"كما زعم هوبز، فالطبقة المهيمنة شيدت مؤسسة الدولة لترسيخ هيمنتها وإضفاء الشرعية القانونية عليها، يقول انجلز"إن الدولة ليست سلطة مفروضة من خارج المجتمع،كما أنها ليست تجسيدا للفكرة الأخلاقية،أو صورة مجسدة لواقعية العقل، كما يدعي هيجل، إنها بالأساس منتوج اجتماعي تبلور في خضم الصراع وتصاعد التناقضات داخل المجتمع"مما يدل أن الدولة ليست نظاما أو جهازا محايدا، وإنما أداة لإعادة إنتاج التراتبية الطبقية داخل المجتمع مواصلة الاستغلال الطبقي، عبر آليات اقتصادية وإيديولوجية .وبما أن الدولة وجدت من أجل استغلال طبقة من لدن أخرى فهي بالتالي غير مشروعة.
النص "ليست الدولة سلطة مفروضة على المجتمع من خارجه، كما أنها ليست " حقيقة الفكرة الأخلاقية " ولا " صورة العقل وحقيقته " كما زعم هيغل، وإنما هي، بالأحرى، نتاج المجتمع في طور معين من أطوار نموه. إنها شهادة على أن هذا المجتمع قد تورط مع نفسه في تناقض يتعذر حله، لأنه انقسم شيعا متنافرة عجز عن استبعادها. وحتى لا يفني التنازع الطبقات الاجتماعية ذات المصالح الاقتصادية المتعارضة - وفي ذلك فناء لها وللمجتمع ذاته - تحتمت الحاجة إلى وجود سلطة تكون - في الظاهر- فوق المجتمع، ويكون واجبها أن تلطف الصراع وتحصر مجاله في الحدود التي تحفظ " النظام ". وهذه السلطة، التي هي وليدة المجتمع، ولكنها تتخذ مرتبة أسمى من مرتبته وتغدو - تدريجيا- غريبة عنه ، هي الدولة" .
ولما كان ظهور الدولة ناشئا عن الحاجة إلى كبح التناقضات الطبقية، وكان هذا الظهور - قي الوقت ذاته - في خضم صراع الطبقات، فإن الدولة - عادة- هي دولة أقوى الطبقات، أي دولة الطبقة المهيمنة اقتصاديا، وهي الطبقة التي تغدو - بفضل الدولة- طبقة مسيطرة سياسيا أيضا، فتتوفر لها - على هذا النحو- وسائل جديدة تمكنها من قهر الطبقة المضطهدة واستغلالها... وهكذا فان الدولة لم توجد منذ البدء، فقد وجدت مجتمعات تدبرت أمرها بمعزل عن الدولة فلم تكوّن أي فكرة عنها ولا عن سلطة الدولة[MSOffice1] . ولكن، في طور معين من أطوار النمو الاقتصادي المرتبط - ضرورة- بانقسام المجتمع إلى طبقات، صارت الدولة ضرورة حتمها هذا الانقسام ذاته.
انجلز:" أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"

يتضح لنا أن هناك تعارضا في المواقف الفلسفية حول مشروعية الدولة،وهذا يعكس بجلاء
الطابع التاريخي و المركب للمفهوم من جهة أولى، والارتباط الجدلي بين الإيديولوجي والسياسي والاجتماعي من جهة ثانية.

03ــ طبيعة السلطة السياسية: يرى الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو أن النظام السياسي يجب أن يتميز بفصل السلط وإلا غدا استبداديا، يقول في هذا الإطار"عندما تجتمع السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في يد شخص واحد أو هيئة قضاء واحدة،فإنه لا يعود ثمة مكان للحرية،لأنه بإمكاننا أن نتخوف من قيام الملك أومجلس النواب بصياغة قوانين استبدادية"،لقد قدم لنا مونتسكيو نموذجا للسلطة السياسية الديمقراطية التي تقوم على مبدأ فصل السلط،و مبدأ الحرية.
وفي نفس الاتجاه يرى جون لوك أن على السلطة السياسية في الدولة أن تتسم بالتعاقد وضرورة خضوع الأقلية للأغلبية،لتصبح تلك الدولة دولة شرعية،يقول"يتوجب على كل امرئ أن يتقيد بقرار الأكثرية،لذلك نجد في المجالس التي خولتها القوانين الوضعية إصدار الأحكام،دون أن تحدد أعضاءها،أن قرار الأغلبية يعتبر قرار المجموع"،ويعد هذا بدوره نموذجا للسلطة السياسية الدموقراطية،رغم مايمكن أن يشوبه من هفوات،وما يترتب عنه من انزلاقات،ذلك أن معيار الأغلبية والأقلية ليس معيارا صائبا على الدوام[رأي الأغلبية مقابل رأي الأقلية] كما أن الديمقراطية الحقيقية عليها أن تحفظ حقوق الأقلية أيضا.
إجمالا يرى عالم الاجتماع الفرنسي المعاصر آلان تورين أن الديمقراطية تشكل نموذجا للسلطة السياسية التي تحترم حقوق الإنسان،كالحقوق الثقافية والمدنية والاجتماعية،وإنها النقيض لكل سلطة كليانية أو استبدادية،تنفرد باحتكار القرارات ومركزتها في سلطة واحدة.
إلا أن كل سلطة سياسية ــ مهما كانت ديمقراطية ــ فإنها تعمد إلى الحفاظ على نظامها السياسي ضد كل نشاط أو تمرد قد يهدد كيانها أو مكتسباتها،مما دفع كلا من آلتوسير وفوكو إلى الكشف عن آليات السلطة الخفية والمسكوت عنها داخل كل نظام سياسي والمتمثلة في الأجهزة الإيديولوجية، التي تشتغل بموازاة الأجهزة الأمنية والعسكرية على الحفاظ على النظام القائم.

04 الدولة بين الحق والعنف:
لقد كشف المفكر الإيطالي مكيافيل على أن الصراع والعنف هما اللذان يطبعان السلطة السياسية،فكل الوسائل مشروعة بالنسبة للحاكم كي يحافظ على حكمه بما فيها استعمال القوة والعنف،يقول"على الأمير أن يعلم جيدا كيف يتصرف كالحيوان،عليه أن يقلد الثعلب والأسد في نفس الآن"بمعنى أن هذا المفكر قام بشرعنة العنف من منظور براغماتي فج، يحظى فيه استمرار النظام السياسي بالأولوية،إذ يعلو على حقوق الأفراد والجماعات.[مقارنة بين الحاكم الحكيم والحاكم الداهية]
لقد نحى نفس المنحى عالم الاجتماع الفرنسي ماكس فيبر،إذ اعتبر أنه من أسس قيام الدولة واستمرارها، احتكارها لممارسة العنف المشروع،إلا أنه نظر لما يمكن تسميته بالعنف المشروع الذي لا يتناقض مع مبادئ العقل والقانون، يقول"فلو وجدت بنيات اجتماعية لا تعرف العنف لاختفى مفهوم الدولة لما بقي إلا ما نطلق عليه الفوضى...
إن علاقة الدولة بالعنف في عصرنا هذا علاقة وثيقة وحميمية"،يتبين لنا أن فيبر قام بالتنظير للعنف المشروع،بينما قام مكيافيل بالدعوة إلى شرعنة العنف اللامشروع.


النص: " إن دولة الحق لاتتمثل في الصورة القانونية المجردة فحسب،بل تتمثل غيما يتجسد بقوة في مجتمعاتنا،لأن القرن العشرين يبلور نجاحها ويعبر عنه.إن دولة الحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة لسلطة الدولة،ممارسة تتشبث بالقانون وباحترام الحريات، كما تؤدي إلى تنظيم سياسي متوازن ينفتح على مجال الحريات العامة. لكن ماهي دولة الحق؟ها
إنها دولة فيها حق وفيها قانون يخضعان معا إلى مبدأ احترام الشخص، وهي صيغة قانونية تضمن الحريات الفردية وتتمسك بالكرامة الإنسانية، وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف.... إن سلطة دولة الحق تتخذ ملامح ثلاثة: القانون، والحق،وفصل السلط،وتضمن جميعها احترام الشخص وتسهر على تأسيس هذا الإحترم."ج. روس

خلاصة تركيبية عامة:
إن الدولة كمؤسسة سياسية كانت حصيلة سيروة تاريخية،شكلت قفزة نوعية نقلت الإنسان من وضعية اللانظام وحق القوة، إلى وضعية النظام وقوة الحق،إلا أنها كظاهرة اجتماعية نشأت في خضم الصراع، لا يمكنها أن تعبر مبدئيا إلا على إرادة و مصالح الفئة التي شيدت مؤسساتها وصاغت قوانينها [الطبقة المسيطرة] وبالتالي فإنها بالضرورة لن تعبر عن مجموع إرادات كل المواطنين ولن تكون محايدة ومستقلة،بل ستعكس بصورة أو بأخرى التناقضات والنزعات التي يعرفها المجتمع،كما ستشكل موضوع صراع وتنافس من أجل التحكم فيها. مما سيطرح مشكلة العدالة ودولة الحق،لقد قال شيشرون"لايوجد عبث أكبر من الاعتقاد بأن كل ماهو منظم بواسطة المؤسسات أوقوانين الشعوب عادل!!"

[MSOffice1]
بعض مجتمعات أمريكا اللاتينية

ليست هناك تعليقات: