السبت، 6 يونيو 2009

la vérité

La vérité

De prime abord, il faut souligner que le problème de la vérité constitue le souci primordial de tout discours philosophique. D’ailleurs, il n’y a pas de doctrine philosophique, qu'elle soit ancienne ou moderne qui n’ait pas soulevé le problème de la vérité, et qui n’ait pas pour autant élaboré sa théorie de la connaissance là-dessus. L’intérêt philosophique de la thèse de Nietzsche réside dans sa portée critique vis-à- vis des doctrines antérieures sur l’essence du concept de la vérité, comme soit conformité avec le réel ou bien adéquation avec la raison. Cela dit, est-ce que la langue exprime-t-elle- fidèlement la vérité ? la réalité des choses n’échappe-t-elle pas à toute tentative empirique ou rationnelle d’appropriation du sens ?

Tout d’abord, Nietzsche entame son argumentation par des exemples tirés de la vie, du vécu, loin de toute spéculation abstraite ou approche épistémologique. Il constate que la langue est incapable de refléter l’existence réelle des êtres, leur développement et devenir. L’exemple significatif de l’arbre symbole de l’élan de la vie n’est pas fortuit. Selon lui, la langue se limite aux relations entre les choses d’une part, et entre elles et nous d’autre part, sans pouvoir atteindre la vérité intrinsèque des choses puisqu’elle ne parvient pas à exprimer la vérité, mais se limitait à désigner les relations des choses avec l’homme de façon métaphorique sans saisir l’être en soi mais son image dans la pensée traduit arbitrairement par un mot quelconque. Ensuite, il affirme que la langue ne pouvait pas non plus démontrer l’existence ou bien l’inexistence des choses puisque le réel, plein de vie, d’énergie et de mouvement, dépasse largement le sens restreint des signes. Enfin, il conclut que l’homme est incapable de saisir la vérité absolue et éternelle par le biais des perceptions, des mots, ou bien des concepts.
Alors Nietzsche nie toute vérité qui puisse exister dans le monde, et toute tentative pour l’acquérir serait vaine et absurde.
La démarche critique nietzschéenne constitue en fait, une mise en cause des systèmes rationnels et empiriques qui proclamaient une confiance totale envers la raison et aux sens, qui croyaient à l’existence à priori de la vérité. Néanmoins, cette démarche ne propose rien de positif et de rassurant à quelqu’un qui fait de la recherche philosophique ou scientifique son métier ou sa vocation. Certes elle fait prévaloir l’esprit critique sur un certain dogmatisme, mais en revanche elle ne propose ni des points de repères ni des moyens préalables pour diriger l’esprit. Elle se veut destructrice sans par ailleurs donner en échange un discours de la méthode à l’instar de Descartes dans le domaine philosophique, ou des règles de la méthode sociologique à l’instar de Durkheim dans le domaine sociologique.

Pour conclure, on peut souligner l’originalité de la doctrine nietzschéenne, surtout sa portée critique qui a mis en valeur l’importance de l’irrationnel dans la quête de la vérité. Cependant, elle n’a pas fourni des outils théoriques ou méthodologiques ni pour affranchir l’homme de ses angoisses intellectuelles, ni pour améliorer sa vie dans le monde, c’est le nihilisme absolu.

الأربعاء، 27 مايو 2009

الخقيقة

الحقيقــــة


الحقيقــــة



تمهيد وطرح إشكالي:

باعتبار الإنسان كائنا حيا عاقلا، و باعتباره كائنا حيا ناطقا واجتماعيا أيضا، فإنه على خلاف باقي الكائنات الحية الأخرى ينفرد بهاجس البحث عن الحقيقة و إرادة بلوغها و الحاجة إلى تبليغها للآخرين. فالحقيقة هي غاية كل تفكير و كل خطاب، كما أنها حاجة وجودية بالنسبة للإنسان. مما يستوجب تحديد دلالتها، وأدوات بلوغها، وإدراك معاييرها والتساؤل حول قيمتها.
فما هي دلالة مفهوم الحقيقة؟ ثم هل هي معطى أم بناء؟ وما هي وسائل بلوغها؟ وأخيرا ما معاييرها؟ وأين تكمن قيمتها؟

يجذر بنا أولا القيام بقراءة فلسفية نقدية في معطيات المعرفة العامية حول دلالة مفهوم الحقيقة، ذلك أن الحس المشترك لايميز بين مفهومي الحقيقة والواقع، فالحقيقي في رأيه هو الواقعي رغم أنهما من طبيعتين مختلفتين فالحقيقة من طبيعة فكرية أو نظرية، بينما الواقع من طبيعة مادية ملموسة، كما يعتقد أيضا،أن الرأي الصادرمن القلب أو الوجدان أكثر عمقا و صدقا من الفكرة المشيدة عقليا ،ويعتبر أن إجماع الآراء حول قضية معينة يعد دليلا كافيا على صحة هذه القضية! لذلك سنعمل على تحديد كل من مفهومي الحقيقة والرأي،ثم نتطرق إلى العلاقة المحتملة بينهما.

دلالة مفهوم الحقيقة:ما دلالة الحقيقة ؟ وما دلالة الرأي؟
مقارنة بين مفهومي الحقيقة والرأي:
يمكن تحديد مفهوم الحقيقة حسب المعجم الفلسفي لأندري لالاند كما يلي "الحقيقة هي خاصية ما هو حق،وهي القضية الصادقة"إنها صفة تميز الأحكام والقضايا،وبالتالي فهي مرتبطة بمجالي الفكر واللغة. ومن ثمة وجب التمييز بين مستويين من المعرفة حسب الفيلسوف والمنطقي ب.راسل، بين المعرفة بالأشياء والمعرفة بالحقائق، فالأولى مباشرة ولا تحتمل الخطأ،أما الثانية فتحتمل الصواب والخطأ،لذلك فمشكلة الحقيقة ارتبطت فلسفيا بالأحكام والقضايا،وليس بالأشياء، فمثلا، لا يجوز اعتبار المحفظة في حد ذاتها حقيقة أو خطأ، لكن قي المقابل يمكن الاعتقاد بأنها محفظة،كما يمكن القول أنها محفظة،فإذا تطابق الحكم(الفكرة) مع الواقع، كانت حقيقة،وإذا لم يتطابق كانت خطأ أوهما،ونفس الأمر، إذا تطابق المنطوق مع الواقع كانت حقيقة،أما العكس فكذب. أما جاكلين روس فقد حددتها كما يلي" المعنى المنطقي للحقيقة هو التطابق بين الفكر وذاته،والمعنى الفلسفي يدل على انسجام الفكر مع ما يدل عليه أي موضوع،كان معرفة أو واقعا". يتبين لنا من خلال هذين التحديدين أن الحقيقة تتأسس على المطابقة أوالملاءمة:مطابقة الفكر للواقع،أوتوافق المنطوق معه،أو ملاءمة الفكر لذاته.
بينما يتحدد الرأي كحالة ذهنية تلقائية، تتمثل في الاعتقاد بصحة إحساس أو قول معين، إنه معرفة عامية سطحية وساذجة، غير مبني بشكل استدلالي منهجي منظم، شكل من أشكال الاعتقاد الذي يغلب عليه الظن،حكم لا يقوم على أسس عقلية واضحة،يتسم بالذاتية و البساطة والاختبارية والعفوية.


ــ الحقيقة والرأي:العلاقة بين الحقيقة والرأي.
هل يمكن تأسيس الحقيقة على الرأي؟هل يعتبر الإجماع دليلا كافيا
للحديث عن الحقيقة؟

الأطروحة الأفلاطونية:
يرى الفيلسوف اليوناني أفلاطون أن التأمل العقلي الخالص هو السبيل لبلوغ الحقيقة العقلية وتجاوز المعرفة الظنية. فالمعرفة التأملية الخالصة، التي يمارسها الفيلسوف تتميز بالثبات واليقين، بينما المعرفة الحسية والآراء الشائعة لدى الإنسان العامي فمتغيرة وفاسدة، وقد بسط أطروحته بشكل تبسيطي في أمثولة الكهف.

الأطروحة الديكارتية:
كما أن الفيلسوف الفرنسي ديكارت دعا إلى ضرورة ممارسة الشك المنهجي لتجاوز خداع الحواس،وخطأ المعارف الجاهزة والمسبقة،يقول،"لكن لما كان غرضنا الآن مقصورا على الانصراف إلى البحث عن الحقيقة، فبوسعنا أن نشك أولا بصدد الأشياء التي وقعت تحت حواسنا أو التي تخيلناها (...)ذلك لأن التجربة قد دلتنا على أن حواسنا قد خدعتنا في مواطن كثيرة،وأنه قد يكون من قلة التبصر أن نطمئن كل الاطمئنان إلى من خدعونا ولو مرة واحدة(...)وبوسعنا أن نشك في كل الأشياء التي بدت لنا من قبل يقينية جدا،بل نشك في براهين الرياضيات وفي مبادئها(...)لأن من الناس من أخطأ في هذه الأمور"وبالتالي هناك ضرورة ممارسة الشك المنهجي وافتحاص الآراء المتداولة الشائعة، بغرض الوصول إلى حقائق واضحة ومتميزة، تكون منطلق تشييد الحقائق الأخرى.

الأطروحة الباشلارية.
لقد اعتبر الفيلسوف الفرنسي أن الرأي يشكل عائقا أمام بلوغ المعرفة العلمية الصحيحة يقول "إن الرأي يفكر تفكيرا سيئا،بل إنه لا يفكر،فهو يترجم الحاجات إلى معارف... لا يمكن تأسيس أي شيء على الرأي،بل ينبغي هدمه"بمعنى أن الرأي لا يعدو أن يكون مجرد رد فعل ذاتي عفوي،يتسم بالحسية والإخبارية الضيقة.فالرأي يلون الموضوعات بلون رغباته وميولاته،مما يسقطه في الذاتية ويبعده عن الموضوعية، والدقة المنهجية.
إن ماينطبق على الحقيقة العلمية في علاقتها بالرأي يمكن تعميمه على علاقة الفلسفة بالرأي أيضا،فتاريخ الفلسفة يؤكد لنا أن الحطاب الفلسفي كان دائما في مواجهة قوية مع الرأيDoxa))،حيث أن الفيلسوف اليوناني أفلاطون اعتبر أن التفلسف يستهدف بالأساس التحرر من الأفكار الجاهزة والمسبقة، ومعطيات الإدراكات الحسية،لأنها لاتنتج سوى الظن والمعرفة الوهمية.لذا على الفيلسوف ممارسة التأمل العقلي الخالص،و التحرر من بادئ الرأي للوصول إلى الحقيقة النقية الخالصة. وقد اتخذ ديكارت نفس الموقف من الرأي كذلك.
إن تاريخ المعرفة الإنسانية، يؤكد لنا بجلاء كيف أن الرأي كان خلف عرقلة مسيرة الإنسانية نحو بلوغ الحقيقة،تارة بدعوى إفساد عقول الشباب، مثلما وقع لسقراط،أو بدعوى معارضة آراء الفقهاء كما حدث لابن رشد فيلسوف قرطبة،أوالمس بثوابت الكنيسة مثلما وقع لغاليلي الذي كان يردد بجرأة إصرار بأن الأرض تدور.

02 ــ معايير الحقيقة:على أي أساس تقاس صلاحية حقيقة معينة؟
الاتجاه العقلاني:ديكارت"سنقوم هنا بتعداد جميع الأفعال العقلية التي نتمكن بواسطتها من الوصول إلى حقيقة الأشياء دون خشية الوقوع الخطأ؛وهما اثنان فقط: الحدس والاستنباط"

أما سبينوزا فقد اعتبر أن الحقيقة معيار ذاتها" إن من لديه فكرة صحيحة يعلم في نفس الوقت، أن لديه فكرة صحيحة، ولا يمكنه أن يشك في صدق معرفته(...) فكما أن بانكشاف النور ينقشع الظلام، فالحقيقة أيضا إنما هي معيار ذاتها ومعيار للخطأ"
إن لايبنتز ينتقد تصور ديكارت لمعيار الحقيقة والمتمثل في الوضوح والتميز،يقول"لقد سبق أن أشرت إلى ضعف القاعدة الشهيرة التي يتم اعتمادها في كل مناسبةــ وهي ألا نقبل سوى الأفكار الواضحة والمتميزة ــ إذا لم نحدد مؤشرات قوية لكلمتي[واضحة] و[متميزة]غير تلك التي أعطاها ديكارت.إن القواعد التي دافع عنها أرسطو وكذا علماء الهندسة أكثر أهمية من السابقة، مثال ذلك ألا نقبل أي شيء(بغض النظر عن المبادئ، أي الحقائق الأولية أو الفرضيات)، ما لم يكن مبرهنا عليها بشكل سليم"منطقيا أو رياضيا.
الاتجاه التجريبي:إن معيار صدق الحقيقة هو مطابقة الفكر للواقع من حيث هو واقع حسي تجريبي،كما أن التجربة الحسية هي مصدر معارفنا. فلا وجود لحقائق عقلية قبلية كما اعتقد أرسطو و ديكارت.
*الحقائق البسيطة تأتي إلى الدهن من الخارج عن طريق الحواس.
* الحقائق المركبة ، حصيلة التركيب العقلي للحقائق البسيطة.

الاتجاه النقدي:بعدما انتقد كانط كلا من الاتجاه العقلاني والاتجاه الحسي الاختباري وأبرز حدود كل منهما،اعتبر أن الحقيقة لا توجد لا في الواقع ولا في الفكر على نحو جاهز وقبلي، وإنما هي بناء وتشييد يساهم فيه الفكر والخبرة الحسية أيضا. ثم تساءل حول إمكانية وجود معيار كوني ومادي للحقيقة،فخلص إلى النتيجة التالية"من غير الممكن أن يوجد معيار مادي وكوني للحقيقة لأن هذا أمر متناقض في حد ذاته"لأن الموضوعات مختلفة من الناحية المادية، "وبالمقابل إذا كان الأمر يتعلق بمعايير صورية
وكونية، فمن اليسر أن نقر بجواز ذلك، لأن الحقيقة الصورية تكمن
في مطابقة المعرفة لذاتها،بغض النظر عن الموضوعات وعن أي
اختلاف بينها"
* الحقيقة المادية هي الحقيقة المرتبطة بكل موضوع مادي على حدة.
*الحقيقة الصورية هي التي تستجيب للمعايير المنطقية والكونية التي تقوم على المطابقة بين المعرفة وذاتها. أي القوانين الكونية للفهم والعقل.

هيدغر:"فالحقيقي،سواء كان شيئا أوحكما،هو ما يتوافق ويتطابق.الحقيقي والحقيقة يعنيان هنا التوافق(التطابق)، وذلك بطريقة مزدوجة:أولا، كتطابق بين الشيء وما نتصوره عنه، ثم كتطابق بين ما يدل عليه الملفوظ وبين الشيء."


03 ــ الحقيقة بوصفها قيمة:أين تكمن قيمة الحقيقة؟
يرى كانط أن الحقيقة قيمة أخلاقية وعملية،فإذا كان البرهان هو الشرط المعرفي والمنطقي لكونيتها فإن الحرية والنزاهة تظلان هما شرطيها الأخلاقي مهما كانت الظروف والملابسات.

جيمس الحقيقة قيمة عملية.إن الاتجاه البراغماتي يربط قيمة الحقيقة بمدى اجرائيتها،من خلال العمل الذي تنجزه."علي أولا أن أذكركم بأن امتلاك أفكار صحيحة[صادقة] يعني على
وجه الدقة امتلاك أدوات ثمينة للعمل"


يرى نيتشه أن للحقيقة قيمة وجودية في خدمة الحياة."إن الإنسان لايبتغي الحقيقة سوى في معناها الضيق:إنه يطمع في العواقب الحميدة والممتعة أي تلك التي تحفظ الحياة. أما المعرفة الخالصة فهولا يكثرت بها، بل إنه مستعد لمعاداة الحقائق المؤذية الهدامة.
فما الحقيقة إذن؟ إنها حشد متحرك من الاستعارات والكنايات والتشبيهات،و هي باختصار جملة من العلاقات البشرية التي تم تحويرها شعريا وبلاغيا، حتى غدت بعد طول استعمال تبدو لشعب من الشعوب دقيقة ومشروعة وذات سلطة قسرية.إلا أن الحقائق أوهام نسي الإنسان أنها كذلك"

الحقيقة قيمة وجودية في خدمة المعنى والمعقولية، حسب إريك فايل، فالمعنى الفلسفي للحقيقة لا يتمثل في تطابق الفكر مع الواقع،وإنما في تطابق الإنسان مع الفكر. إن آخر الحقيقة ليس هو الخطأ، وإنما العنف، الذي يتجسد في رفض العقل والمعنى والتماسك(التعصب للرأي على حساب العقل).


قضايا فلسفية للبحث والمناقشة.:
هل هناك إمكانية للحديث عن أحادية الحقيقة؟
"الحقيقة سلطة ولا تخلو من سلطة"أوضح معنى هذا القول وبين أبعاده. *الحدس:إدراك عقلي بسيط ومباشر.
*الاستنباط:عملية ذهنية غير مباشرة، ينتقل بها الفكر من حقائق أولى إلى حقائق جديدة.


























تمهيد وطرح إشكالي:

باعتبار الإنسان كائنا حيا عاقلا، و باعتباره كائنا حيا ناطقا واجتماعيا أيضا، فإنه على خلاف باقي الكائنات الحية الأخرى ينفرد بهاجس البحث عن الحقيقة و إرادة بلوغها و الحاجة إلى تبليغها للآخرين. فالحقيقة هي غاية كل تفكير و كل خطاب، كما أنها حاجة وجودية بالنسبة للإنسان. مما يستوجب تحديد دلالتها، وأدوات بلوغها، وإدراك معاييرها والتساؤل حول قيمتها.
فما هي دلالة مفهوم الحقيقة؟ ثم هل هي معطى أم بناء؟ وما هي وسائل بلوغها؟ وأخيرا ما معاييرها؟ وأين تكمن قيمتها؟

يجذر بنا أولا القيام بقراءة فلسفية نقدية في معطيات المعرفة العامية حول دلالة مفهوم الحقيقة، ذلك أن الحس المشترك لايميز بين مفهومي الحقيقة والواقع، فالحقيقي في رأيه هو الواقعي رغم أنهما من طبيعتين مختلفتين فالحقيقة من طبيعة فكرية أو نظرية، بينما الواقع من طبيعة مادية ملموسة، كما يعتقد أيضا،أن الرأي الصادرمن القلب أو الوجدان أكثر عمقا و صدقا من الفكرة المشيدة عقليا ،ويعتبر أن إجماع الآراء حول قضية معينة يعد دليلا كافيا على صحة هذه القضية! لذلك سنعمل على تحديد كل من مفهومي الحقيقة والرأي،ثم نتطرق إلى العلاقة المحتملة بينهما.

دلالة مفهوم الحقيقة:ما دلالة الحقيقة ؟ وما دلالة الرأي؟
مقارنة بين مفهومي الحقيقة والرأي:
يمكن تحديد مفهوم الحقيقة حسب المعجم الفلسفي لأندري لالاند كما يلي "الحقيقة هي خاصية ما هو حق،وهي القضية الصادقة"إنها صفة تميز الأحكام والقضايا،وبالتالي فهي مرتبطة بمجالي الفكر واللغة. ومن ثمة وجب التمييز بين مستويين من المعرفة حسب الفيلسوف والمنطقي ب.راسل، بين المعرفة بالأشياء والمعرفة بالحقائق، فالأولى مباشرة ولا تحتمل الخطأ،أما الثانية فتحتمل الصواب والخطأ،لذلك فمشكلة الحقيقة ارتبطت فلسفيا بالأحكام والقضايا،وليس بالأشياء، فمثلا، لا يجوز اعتبار المحفظة في حد ذاتها حقيقة أو خطأ، لكن قي المقابل يمكن الاعتقاد بأنها محفظة،كما يمكن القول أنها محفظة،فإذا تطابق الحكم(الفكرة) مع الواقع، كانت حقيقة،وإذا لم يتطابق كانت خطأ أوهما،ونفس الأمر، إذا تطابق المنطوق مع الواقع كانت حقيقة،أما العكس فكذب. أما جاكلين روس فقد حددتها كما يلي" المعنى المنطقي للحقيقة هو التطابق بين الفكر وذاته،والمعنى الفلسفي يدل على انسجام الفكر مع ما يدل عليه أي موضوع،كان معرفة أو واقعا". يتبين لنا من خلال هذين التحديدين أن الحقيقة تتأسس على المطابقة أوالملاءمة:مطابقة الفكر للواقع،أوتوافق المنطوق معه،أو ملاءمة الفكر لذاته.
بينما يتحدد الرأي كحالة ذهنية تلقائية، تتمثل في الاعتقاد بصحة إحساس أو قول معين، إنه معرفة عامية سطحية وساذجة، غير مبني بشكل استدلالي منهجي منظم، شكل من أشكال الاعتقاد الذي يغلب عليه الظن،حكم لا يقوم على أسس عقلية واضحة،يتسم بالذاتية و البساطة والاختبارية والعفوية.


ــ الحقيقة والرأي:العلاقة بين الحقيقة والرأي.
هل يمكن تأسيس الحقيقة على الرأي؟هل يعتبر الإجماع دليلا كافيا
للحديث عن الحقيقة؟

الأطروحة الأفلاطونية:
يرى الفيلسوف اليوناني أفلاطون أن التأمل العقلي الخالص هو السبيل لبلوغ الحقيقة العقلية وتجاوز المعرفة الظنية. فالمعرفة التأملية الخالصة، التي يمارسها الفيلسوف تتميز بالثبات واليقين، بينما المعرفة الحسية والآراء الشائعة لدى الإنسان العامي فمتغيرة وفاسدة، وقد بسط أطروحته بشكل تبسيطي في أمثولة الكهف.

الأطروحة الديكارتية:
كما أن الفيلسوف الفرنسي ديكارت دعا إلى ضرورة ممارسة الشك المنهجي لتجاوز خداع الحواس،وخطأ المعارف الجاهزة والمسبقة،يقول،"لكن لما كان غرضنا الآن مقصورا على الانصراف إلى البحث عن الحقيقة، فبوسعنا أن نشك أولا بصدد الأشياء التي وقعت تحت حواسنا أو التي تخيلناها (...)ذلك لأن التجربة قد دلتنا على أن حواسنا قد خدعتنا في مواطن كثيرة،وأنه قد يكون من قلة التبصر أن نطمئن كل الاطمئنان إلى من خدعونا ولو مرة واحدة(...)وبوسعنا أن نشك في كل الأشياء التي بدت لنا من قبل يقينية جدا،بل نشك في براهين الرياضيات وفي مبادئها(...)لأن من الناس من أخطأ في هذه الأمور"وبالتالي هناك ضرورة ممارسة الشك المنهجي وافتحاص الآراء المتداولة الشائعة، بغرض الوصول إلى حقائق واضحة ومتميزة، تكون منطلق تشييد الحقائق الأخرى.

الأطروحة الباشلارية.
لقد اعتبر الفيلسوف الفرنسي أن الرأي يشكل عائقا أمام بلوغ المعرفة العلمية الصحيحة يقول "إن الرأي يفكر تفكيرا سيئا،بل إنه لا يفكر،فهو يترجم الحاجات إلى معارف... لا يمكن تأسيس أي شيء على الرأي،بل ينبغي هدمه"بمعنى أن الرأي لا يعدو أن يكون مجرد رد فعل ذاتي عفوي،يتسم بالحسية والإخبارية الضيقة.فالرأي يلون الموضوعات بلون رغباته وميولاته،مما يسقطه في الذاتية ويبعده عن الموضوعية، والدقة المنهجية.
إن ماينطبق على الحقيقة العلمية في علاقتها بالرأي يمكن تعميمه على علاقة الفلسفة بالرأي أيضا،فتاريخ الفلسفة يؤكد لنا أن الحطاب الفلسفي كان دائما في مواجهة قوية مع الرأيDoxa))،حيث أن الفيلسوف اليوناني أفلاطون اعتبر أن التفلسف يستهدف بالأساس التحرر من الأفكار الجاهزة والمسبقة، ومعطيات الإدراكات الحسية،لأنها لاتنتج سوى الظن والمعرفة الوهمية.لذا على الفيلسوف ممارسة التأمل العقلي الخالص،و التحرر من بادئ الرأي للوصول إلى الحقيقة النقية الخالصة. وقد اتخذ ديكارت نفس الموقف من الرأي كذلك.
إن تاريخ المعرفة الإنسانية، يؤكد لنا بجلاء كيف أن الرأي كان خلف عرقلة مسيرة الإنسانية نحو بلوغ الحقيقة،تارة بدعوى إفساد عقول الشباب، مثلما وقع لسقراط،أو بدعوى معارضة آراء الفقهاء كما حدث لابن رشد فيلسوف قرطبة،أوالمس بثوابت الكنيسة مثلما وقع لغاليلي الذي كان يردد بجرأة إصرار بأن الأرض تدور.

02 ــ معايير الحقيقة:على أي أساس تقاس صلاحية حقيقة معينة؟
الاتجاه العقلاني:ديكارت"سنقوم هنا بتعداد جميع الأفعال العقلية التي نتمكن بواسطتها من الوصول إلى حقيقة الأشياء دون خشية الوقوع الخطأ؛وهما اثنان فقط: الحدس والاستنباط"

أما سبينوزا فقد اعتبر أن الحقيقة معيار ذاتها" إن من لديه فكرة صحيحة يعلم في نفس الوقت، أن لديه فكرة صحيحة، ولا يمكنه أن يشك في صدق معرفته(...) فكما أن بانكشاف النور ينقشع الظلام، فالحقيقة أيضا إنما هي معيار ذاتها ومعيار للخطأ"
إن لايبنتز ينتقد تصور ديكارت لمعيار الحقيقة والمتمثل في الوضوح والتميز،يقول"لقد سبق أن أشرت إلى ضعف القاعدة الشهيرة التي يتم اعتمادها في كل مناسبةــ وهي ألا نقبل سوى الأفكار الواضحة والمتميزة ــ إذا لم نحدد مؤشرات قوية لكلمتي[واضحة] و[متميزة]غير تلك التي أعطاها ديكارت.إن القواعد التي دافع عنها أرسطو وكذا علماء الهندسة أكثر أهمية من السابقة، مثال ذلك ألا نقبل أي شيء(بغض النظر عن المبادئ، أي الحقائق الأولية أو الفرضيات)، ما لم يكن مبرهنا عليها بشكل سليم"منطقيا أو رياضيا.
الاتجاه التجريبي:إن معيار صدق الحقيقة هو مطابقة الفكر للواقع من حيث هو واقع حسي تجريبي،كما أن التجربة الحسية هي مصدر معارفنا. فلا وجود لحقائق عقلية قبلية كما اعتقد أرسطو و ديكارت.
*الحقائق البسيطة تأتي إلى الدهن من الخارج عن طريق الحواس.
* الحقائق المركبة ، حصيلة التركيب العقلي للحقائق البسيطة.

الاتجاه النقدي:بعدما انتقد كانط كلا من الاتجاه العقلاني والاتجاه الحسي الاختباري وأبرز حدود كل منهما،اعتبر أن الحقيقة لا توجد لا في الواقع ولا في الفكر على نحو جاهز وقبلي، وإنما هي بناء وتشييد يساهم فيه الفكر والخبرة الحسية أيضا. ثم تساءل حول إمكانية وجود معيار كوني ومادي للحقيقة،فخلص إلى النتيجة التالية"من غير الممكن أن يوجد معيار مادي وكوني للحقيقة لأن هذا أمر متناقض في حد ذاته"لأن الموضوعات مختلفة من الناحية المادية، "وبالمقابل إذا كان الأمر يتعلق بمعايير صورية
وكونية، فمن اليسر أن نقر بجواز ذلك، لأن الحقيقة الصورية تكمن
في مطابقة المعرفة لذاتها،بغض النظر عن الموضوعات وعن أي
اختلاف بينها"
* الحقيقة المادية هي الحقيقة المرتبطة بكل موضوع مادي على حدة.
*الحقيقة الصورية هي التي تستجيب للمعايير المنطقية والكونية التي تقوم على المطابقة بين المعرفة وذاتها. أي القوانين الكونية للفهم والعقل.

هيدغر:"فالحقيقي،سواء كان شيئا أوحكما،هو ما يتوافق ويتطابق.الحقيقي والحقيقة يعنيان هنا التوافق(التطابق)، وذلك بطريقة مزدوجة:أولا، كتطابق بين الشيء وما نتصوره عنه، ثم كتطابق بين ما يدل عليه الملفوظ وبين الشيء."


03 ــ الحقيقة بوصفها قيمة:أين تكمن قيمة الحقيقة؟
يرى كانط أن الحقيقة قيمة أخلاقية وعملية،فإذا كان البرهان هو الشرط المعرفي والمنطقي لكونيتها فإن الحرية والنزاهة تظلان هما شرطيها الأخلاقي مهما كانت الظروف والملابسات.

جيمس الحقيقة قيمة عملية.إن الاتجاه البراغماتي يربط قيمة الحقيقة بمدى اجرائيتها،من خلال العمل الذي تنجزه."علي أولا أن أذكركم بأن امتلاك أفكار صحيحة[صادقة] يعني على
وجه الدقة امتلاك أدوات ثمينة للعمل"


يرى نيتشه أن للحقيقة قيمة وجودية في خدمة الحياة."إن الإنسان لايبتغي الحقيقة سوى في معناها الضيق:إنه يطمع في العواقب الحميدة والممتعة أي تلك التي تحفظ الحياة. أما المعرفة الخالصة فهولا يكثرت بها، بل إنه مستعد لمعاداة الحقائق المؤذية الهدامة.
فما الحقيقة إذن؟ إنها حشد متحرك من الاستعارات والكنايات والتشبيهات،و هي باختصار جملة من العلاقات البشرية التي تم تحويرها شعريا وبلاغيا، حتى غدت بعد طول استعمال تبدو لشعب من الشعوب دقيقة ومشروعة وذات سلطة قسرية.إلا أن الحقائق أوهام نسي الإنسان أنها كذلك"

الحقيقة قيمة وجودية في خدمة المعنى والمعقولية، حسب إريك فايل، فالمعنى الفلسفي للحقيقة لا يتمثل في تطابق الفكر مع الواقع،وإنما في تطابق الإنسان مع الفكر. إن آخر الحقيقة ليس هو الخطأ، وإنما العنف، الذي يتجسد في رفض العقل والمعنى والتماسك(التعصب للرأي على حساب العقل).


قضايا فلسفية للبحث والمناقشة.:
هل هناك إمكانية للحديث عن أحادية الحقيقة؟
"الحقيقة سلطة ولا تخلو من سلطة"أوضح معنى هذا القول وبين أبعاده. *الحدس:إدراك عقلي بسيط ومباشر.
*الاستنباط:عملية ذهنية غير مباشرة، ينتقل بها الفكر من حقائق أولى إلى حقائق جديدة.






















الحقيقــــة



تمهيد وطرح إشكالي:

باعتبار الإنسان كائنا حيا عاقلا، و باعتباره كائنا حيا ناطقا واجتماعيا أيضا، فإنه على خلاف باقي الكائنات الحية الأخرى ينفرد بهاجس البحث عن الحقيقة و إرادة بلوغها و الحاجة إلى تبليغها للآخرين. فالحقيقة هي غاية كل تفكير و كل خطاب، كما أنها حاجة وجودية بالنسبة للإنسان. مما يستوجب تحديد دلالتها، وأدوات بلوغها، وإدراك معاييرها والتساؤل حول قيمتها.
فما هي دلالة مفهوم الحقيقة؟ ثم هل هي معطى أم بناء؟ وما هي وسائل بلوغها؟ وأخيرا ما معاييرها؟ وأين تكمن قيمتها؟

يجذر بنا أولا القيام بقراءة فلسفية نقدية في معطيات المعرفة العامية حول دلالة مفهوم الحقيقة، ذلك أن الحس المشترك لايميز بين مفهومي الحقيقة والواقع، فالحقيقي في رأيه هو الواقعي رغم أنهما من طبيعتين مختلفتين فالحقيقة من طبيعة فكرية أو نظرية، بينما الواقع من طبيعة مادية ملموسة، كما يعتقد أيضا،أن الرأي الصادرمن القلب أو الوجدان أكثر عمقا و صدقا من الفكرة المشيدة عقليا ،ويعتبر أن إجماع الآراء حول قضية معينة يعد دليلا كافيا على صحة هذه القضية! لذلك سنعمل على تحديد كل من مفهومي الحقيقة والرأي،ثم نتطرق إلى العلاقة المحتملة بينهما.

دلالة مفهوم الحقيقة:ما دلالة الحقيقة ؟ وما دلالة الرأي؟
مقارنة بين مفهومي الحقيقة والرأي:
يمكن تحديد مفهوم الحقيقة حسب المعجم الفلسفي لأندري لالاند كما يلي "الحقيقة هي خاصية ما هو حق،وهي القضية الصادقة"إنها صفة تميز الأحكام والقضايا،وبالتالي فهي مرتبطة بمجالي الفكر واللغة. ومن ثمة وجب التمييز بين مستويين من المعرفة حسب الفيلسوف والمنطقي ب.راسل، بين المعرفة بالأشياء والمعرفة بالحقائق، فالأولى مباشرة ولا تحتمل الخطأ،أما الثانية فتحتمل الصواب والخطأ،لذلك فمشكلة الحقيقة ارتبطت فلسفيا بالأحكام والقضايا،وليس بالأشياء، فمثلا، لا يجوز اعتبار المحفظة في حد ذاتها حقيقة أو خطأ، لكن قي المقابل يمكن الاعتقاد بأنها محفظة،كما يمكن القول أنها محفظة،فإذا تطابق الحكم(الفكرة) مع الواقع، كانت حقيقة،وإذا لم يتطابق كانت خطأ أوهما،ونفس الأمر، إذا تطابق المنطوق مع الواقع كانت حقيقة،أما العكس فكذب. أما جاكلين روس فقد حددتها كما يلي" المعنى المنطقي للحقيقة هو التطابق بين الفكر وذاته،والمعنى الفلسفي يدل على انسجام الفكر مع ما يدل عليه أي موضوع،كان معرفة أو واقعا". يتبين لنا من خلال هذين التحديدين أن الحقيقة تتأسس على المطابقة أوالملاءمة:مطابقة الفكر للواقع،أوتوافق المنطوق معه،أو ملاءمة الفكر لذاته.
بينما يتحدد الرأي كحالة ذهنية تلقائية، تتمثل في الاعتقاد بصحة إحساس أو قول معين، إنه معرفة عامية سطحية وساذجة، غير مبني بشكل استدلالي منهجي منظم، شكل من أشكال الاعتقاد الذي يغلب عليه الظن،حكم لا يقوم على أسس عقلية واضحة،يتسم بالذاتية و البساطة والاختبارية والعفوية.


ــ الحقيقة والرأي:العلاقة بين الحقيقة والرأي.
هل يمكن تأسيس الحقيقة على الرأي؟هل يعتبر الإجماع دليلا كافيا
للحديث عن الحقيقة؟

الأطروحة الأفلاطونية:
يرى الفيلسوف اليوناني أفلاطون أن التأمل العقلي الخالص هو السبيل لبلوغ الحقيقة العقلية وتجاوز المعرفة الظنية. فالمعرفة التأملية الخالصة، التي يمارسها الفيلسوف تتميز بالثبات واليقين، بينما المعرفة الحسية والآراء الشائعة لدى الإنسان العامي فمتغيرة وفاسدة، وقد بسط أطروحته بشكل تبسيطي في أمثولة الكهف.

الأطروحة الديكارتية:
كما أن الفيلسوف الفرنسي ديكارت دعا إلى ضرورة ممارسة الشك المنهجي لتجاوز خداع الحواس،وخطأ المعارف الجاهزة والمسبقة،يقول،"لكن لما كان غرضنا الآن مقصورا على الانصراف إلى البحث عن الحقيقة، فبوسعنا أن نشك أولا بصدد الأشياء التي وقعت تحت حواسنا أو التي تخيلناها (...)ذلك لأن التجربة قد دلتنا على أن حواسنا قد خدعتنا في مواطن كثيرة،وأنه قد يكون من قلة التبصر أن نطمئن كل الاطمئنان إلى من خدعونا ولو مرة واحدة(...)وبوسعنا أن نشك في كل الأشياء التي بدت لنا من قبل يقينية جدا،بل نشك في براهين الرياضيات وفي مبادئها(...)لأن من الناس من أخطأ في هذه الأمور"وبالتالي هناك ضرورة ممارسة الشك المنهجي وافتحاص الآراء المتداولة الشائعة، بغرض الوصول إلى حقائق واضحة ومتميزة، تكون منطلق تشييد الحقائق الأخرى.

الأطروحة الباشلارية.
لقد اعتبر الفيلسوف الفرنسي أن الرأي يشكل عائقا أمام بلوغ المعرفة العلمية الصحيحة يقول "إن الرأي يفكر تفكيرا سيئا،بل إنه لا يفكر،فهو يترجم الحاجات إلى معارف... لا يمكن تأسيس أي شيء على الرأي،بل ينبغي هدمه"بمعنى أن الرأي لا يعدو أن يكون مجرد رد فعل ذاتي عفوي،يتسم بالحسية والإخبارية الضيقة.فالرأي يلون الموضوعات بلون رغباته وميولاته،مما يسقطه في الذاتية ويبعده عن الموضوعية، والدقة المنهجية.
إن ماينطبق على الحقيقة العلمية في علاقتها بالرأي يمكن تعميمه على علاقة الفلسفة بالرأي أيضا،فتاريخ الفلسفة يؤكد لنا أن الحطاب الفلسفي كان دائما في مواجهة قوية مع الرأيDoxa))،حيث أن الفيلسوف اليوناني أفلاطون اعتبر أن التفلسف يستهدف بالأساس التحرر من الأفكار الجاهزة والمسبقة، ومعطيات الإدراكات الحسية،لأنها لاتنتج سوى الظن والمعرفة الوهمية.لذا على الفيلسوف ممارسة التأمل العقلي الخالص،و التحرر من بادئ الرأي للوصول إلى الحقيقة النقية الخالصة. وقد اتخذ ديكارت نفس الموقف من الرأي كذلك.
إن تاريخ المعرفة الإنسانية، يؤكد لنا بجلاء كيف أن الرأي كان خلف عرقلة مسيرة الإنسانية نحو بلوغ الحقيقة،تارة بدعوى إفساد عقول الشباب، مثلما وقع لسقراط،أو بدعوى معارضة آراء الفقهاء كما حدث لابن رشد فيلسوف قرطبة،أوالمس بثوابت الكنيسة مثلما وقع لغاليلي الذي كان يردد بجرأة إصرار بأن الأرض تدور.

02 ــ معايير الحقيقة:على أي أساس تقاس صلاحية حقيقة معينة؟
الاتجاه العقلاني:ديكارت"سنقوم هنا بتعداد جميع الأفعال العقلية التي نتمكن بواسطتها من الوصول إلى حقيقة الأشياء دون خشية الوقوع الخطأ؛وهما اثنان فقط: الحدس والاستنباط"

أما سبينوزا فقد اعتبر أن الحقيقة معيار ذاتها" إن من لديه فكرة صحيحة يعلم في نفس الوقت، أن لديه فكرة صحيحة، ولا يمكنه أن يشك في صدق معرفته(...) فكما أن بانكشاف النور ينقشع الظلام، فالحقيقة أيضا إنما هي معيار ذاتها ومعيار للخطأ"
إن لايبنتز ينتقد تصور ديكارت لمعيار الحقيقة والمتمثل في الوضوح والتميز،يقول"لقد سبق أن أشرت إلى ضعف القاعدة الشهيرة التي يتم اعتمادها في كل مناسبةــ وهي ألا نقبل سوى الأفكار الواضحة والمتميزة ــ إذا لم نحدد مؤشرات قوية لكلمتي[واضحة] و[متميزة]غير تلك التي أعطاها ديكارت.إن القواعد التي دافع عنها أرسطو وكذا علماء الهندسة أكثر أهمية من السابقة، مثال ذلك ألا نقبل أي شيء(بغض النظر عن المبادئ، أي الحقائق الأولية أو الفرضيات)، ما لم يكن مبرهنا عليها بشكل سليم"منطقيا أو رياضيا.
الاتجاه التجريبي:إن معيار صدق الحقيقة هو مطابقة الفكر للواقع من حيث هو واقع حسي تجريبي،كما أن التجربة الحسية هي مصدر معارفنا. فلا وجود لحقائق عقلية قبلية كما اعتقد أرسطو و ديكارت.
*الحقائق البسيطة تأتي إلى الدهن من الخارج عن طريق الحواس.
* الحقائق المركبة ، حصيلة التركيب العقلي للحقائق البسيطة.

الاتجاه النقدي:بعدما انتقد كانط كلا من الاتجاه العقلاني والاتجاه الحسي الاختباري وأبرز حدود كل منهما،اعتبر أن الحقيقة لا توجد لا في الواقع ولا في الفكر على نحو جاهز وقبلي، وإنما هي بناء وتشييد يساهم فيه الفكر والخبرة الحسية أيضا. ثم تساءل حول إمكانية وجود معيار كوني ومادي للحقيقة،فخلص إلى النتيجة التالية"من غير الممكن أن يوجد معيار مادي وكوني للحقيقة لأن هذا أمر متناقض في حد ذاته"لأن الموضوعات مختلفة من الناحية المادية، "وبالمقابل إذا كان الأمر يتعلق بمعايير صورية
وكونية، فمن اليسر أن نقر بجواز ذلك، لأن الحقيقة الصورية تكمن
في مطابقة المعرفة لذاتها،بغض النظر عن الموضوعات وعن أي
اختلاف بينها"
* الحقيقة المادية هي الحقيقة المرتبطة بكل موضوع مادي على حدة.
*الحقيقة الصورية هي التي تستجيب للمعايير المنطقية والكونية التي تقوم على المطابقة بين المعرفة وذاتها. أي القوانين الكونية للفهم والعقل.

هيدغر:"فالحقيقي،سواء كان شيئا أوحكما،هو ما يتوافق ويتطابق.الحقيقي والحقيقة يعنيان هنا التوافق(التطابق)، وذلك بطريقة مزدوجة:أولا، كتطابق بين الشيء وما نتصوره عنه، ثم كتطابق بين ما يدل عليه الملفوظ وبين الشيء."


03 ــ الحقيقة بوصفها قيمة:أين تكمن قيمة الحقيقة؟
يرى كانط أن الحقيقة قيمة أخلاقية وعملية،فإذا كان البرهان هو الشرط المعرفي والمنطقي لكونيتها فإن الحرية والنزاهة تظلان هما شرطيها الأخلاقي مهما كانت الظروف والملابسات.

جيمس الحقيقة قيمة عملية.إن الاتجاه البراغماتي يربط قيمة الحقيقة بمدى اجرائيتها،من خلال العمل الذي تنجزه."علي أولا أن أذكركم بأن امتلاك أفكار صحيحة[صادقة] يعني على
وجه الدقة امتلاك أدوات ثمينة للعمل"


يرى نيتشه أن للحقيقة قيمة وجودية في خدمة الحياة."إن الإنسان لايبتغي الحقيقة سوى في معناها الضيق:إنه يطمع في العواقب الحميدة والممتعة أي تلك التي تحفظ الحياة. أما المعرفة الخالصة فهولا يكثرت بها، بل إنه مستعد لمعاداة الحقائق المؤذية الهدامة.
فما الحقيقة إذن؟ إنها حشد متحرك من الاستعارات والكنايات والتشبيهات،و هي باختصار جملة من العلاقات البشرية التي تم تحويرها شعريا وبلاغيا، حتى غدت بعد طول استعمال تبدو لشعب من الشعوب دقيقة ومشروعة وذات سلطة قسرية.إلا أن الحقائق أوهام نسي الإنسان أنها كذلك"

الحقيقة قيمة وجودية في خدمة المعنى والمعقولية، حسب إريك فايل، فالمعنى الفلسفي للحقيقة لا يتمثل في تطابق الفكر مع الواقع،وإنما في تطابق الإنسان مع الفكر. إن آخر الحقيقة ليس هو الخطأ، وإنما العنف، الذي يتجسد في رفض العقل والمعنى والتماسك(التعصب للرأي على حساب العقل).


قضايا فلسفية للبحث والمناقشة.:
هل هناك إمكانية للحديث عن أحادية الحقيقة؟
"الحقيقة سلطة ولا تخلو من سلطة"أوضح معنى هذا القول وبين أبعاده. *الحدس:إدراك عقلي بسيط ومباشر.
*الاستنباط:عملية ذهنية غير مباشرة، ينتقل بها الفكر من حقائق أولى إلى حقائق جديدة.




























المعرفة الحقيقة

الكتابة الإنشائية على ضوء نص فلسفي

الكتابة الفلسفية الإنشائية على ضوء نص فلسفي.

يتوجب التعامل مع النص الفلسفي على أنه:

1ــ خطاب يتضمن إشكالية فلسفية خفية أو ظاهرة.
2 ــ خطاب يتضمن حلولا / إجابات ( أطروحات) حول تلك الإشكالية.
3 ــ خطاب يتضمن تناصا صريحا أو ضمنيا ( حوار) مع نصوص أخرى.
4 ــ خطاب يتضمن بناء منطقيا يفضي إلى فكرة للتأكيد أو للتفنيد.

كيف نقرأ النص الفلسفي على ضوء ما سبق؟

1 ــ الكشف عن الفكرة الموجهة للنص (موضوع النص) وصياغتها بشكل مختصر.
2 ــ رصد البنية المفاهيمية للنص وضبط تمفصلاتها: تعارض؟ تماثل؟ اختلاف؟ نقد؟ ....
3 ــ إبراز إشكالية النص وصياغتها على شكل أسئلة متماسكة منطقيا ولغويا.
4 ــ استخراج أطروحة النص مرفقة ببنيتها الحجاجية والاستدلالية بأسلوب شخصي دون تكرار.
5 ــ استحضار الأطروحات المؤيد والمعارضة التي تتناول نفس الإشكال، لاستثمارها في المناقشة.

كيف ننجز تصميما للموضوع؟

** إن التصميم عبارة عن خطة عمل تتضمن أهم لحظات الموضوع بحيث يحضر فيها التدرج و النظام التطور و التماسك. إما على شكل كتابة منظمة، أو شكل كتابة دياليكتيكية (جدلية). لهذا يجب استعمال الروابط المنطقية واللغوية المناسبة.

1ـ المقدمة والطرح الإشكالي: وظيفتها جلب انتباه القارىء وغالبا ما تنطلق من البديهي ( الحس المشترك) إلى المركب، كما تتضمن تحديدا لأهم المفاهيم وتمفصلاتها، وتصريحا بمسار الموضوع، تنتهي بطرح الإشكالية.

2 ــ العرض: ( تحليل ومناقشة) يتم في البداية تقديم أطروحة النص بأسلوب شخصي دون تكرار أو تشويه للمضامين، مع شرحها بواسطة أمثلة أو استشهادات فلسفية. يتلو ذلك طرح سؤال للربط من أجل المناقشة.
تستلزم المناقشة خلق حاور بين أطروحة صاحب النص والأطروحات الأخرى لإبراز نقط التشابه أو الاختلاف وأحيانا التعارض. ( المقارنة).
لا يجوز أثناء التحليل و المناقشة تقديم أمثلة أواستشهادات دون شرح.
لا يجوز مناقشة صاحب النص من خلال قناعات أو آراء شخصية.

3 ــ الخاتمة: إنها بمثابة تركيب لمسار التحليل و المناقشة وليست ملخصا للإنجاز، أثناءها يمكن الانفتاح على الرهانات الفلسفية للموضوع ( أخلاقية ــ فلسفية ــ ميتافيزيقية ــ سياسية...)

*** لا تنسى أن تحليل ومناقشة النص الفلسفي يقتضي ممارسة التفكير الشخصي بعيدا عن عرض الآراء الخاصة، أو التكرار الآلي لمضمون الدرس، لهذا، عليك التوفر على ثقافة فلسفية وعدة منهجية.
وعدم التسرع في اختيار الموضوع، مع مراعاة التدبير الزمني للإنجاز.

المعرفة النظرية والتجربة.

النظرية والتجربة.

تقديم المفهوم:يبدو أن علاقة النظرية بالتجربة منذ نشأة المعرفة العلمية إلى اليوم علاقة جد وثيقة إلى حد لايمكن فصل أحد هذين الزوجين عن الآخر.
فقد أثبت تاريخ العلم بأن أي طريقة تجريبية أو عقلية أحادية الجانب تظل عاجزة الاحتفاظ بقيمتها، أي أننا أمام تأثير متبادل ،وحوار أبدي بين الفكر والواقع، لكنه تأثير خصب، يعكس الطابع المتقدم للمعرفة العلمية، كما أنه حوار يرقى فيه الفكر ليلقي بظلاله على التجربة، كل هذا يتخذ طابع نظريات علمية متتالية ينقح بعضها الآخر، وينفيه، أو يناقض الجديد منها القديم ويكمله، فالتجربة والنظرية يتبادلان النصح باستمرار، ويتكاملان بكيفية متبادلة، غير أن المبادرة تكون دائما للعقل. فما النظرية وما التجربة؟
يحيل لفظ النظرية في التحديد الاصطلاحي على ماهو فكري مجرد في مقابل ماهومادي واقعي و محسوس، ولهذا اتخذت النظرية كبناء مفاهيمي فرضي استنتاجي يتشكل من قوانين عامة تتعلق بظواهر مخصوصة يرتبط بعضها ببعض ارتباطا متسقا من خلال عمليات تنظيرية متكاملة الجوانب واقعيا،ومنهجيا،ومنطقيا.
ما التجربة؟
يقصد بالتجربة في الحقل التداولي مجموع المعارف.والخبرات.والمهارات التي يكتسبها الشخص في مجال معين. وفي المجال الفلسفي يرتبط مفهوم التجربة بالواقع المادي.وبالمعطيات الحسية. فمن منظور.الاتجاه التجريبي الاختباري مثلا بزعامة جون لوك يعتبر التجربة المصدر الوحيد لتحصيل المعرفة باعتبار أن العقل عبارة عن صفحة بيضاء ليس فيه إلا ماتنقله الحواس. في مقابل الاتجاه العقلاني بزعامة ديكارت الذي يقصي كل دور للتجربة في عملية المعرفة.غير أن مفهوم التجربة في الحقل العلمي والابستمولوجي سيتخذ دلالة مختلفة تنأى به عن ماهو مادي ومحسوس.لذلك يبدو التمييز بين التجربة والتجريب أمرا ضروريا.

الحقل الإشكالي للمفهوم:
يضعنا مفهوم النظرية والتجربة أمام سلسة من الإشكالات والمفارقات، تعكس طبيعة المعرفة العلمية وتطورها في علاقتها بالواقع، ويمكن التعبير عن بعض هذه الإشكالات بالتساؤلات التالية:
ما الفرق بين التجربة كمعطى حسي، وبين التجريب كمساءلة منهجية للطبيعة؟و ما دور كل من العقل والخيال في العلم؟ ألا يمكن الحديث عن تجربة ذهنية؟ ثم هل النظريات العلمية عبارة عن قوانين تجريبية لا تثبت صحتها إلا من خلال التحقق الاختباري والتجريبي؟ أم أنها أنساق عقلية وأبنية حرة لا تستمد صلاحيتها من الواقع، ولا مصادقة التجربة عليها، بل من التماسك المنطقي والاتساق بين المقدمات والنتائج؟ و ما الأسس التي تقوم عليها العقلانية الكلاسيكية والعقلانية العلمية المعاصرة؟ و أخيرا ما حدود النظريات العلمية ؟ وهل تقدم حقائق ثابتة مطلقة؟ أم مجرد معرفة نسبية مؤقتة؟

الوضعية المشكلة:( نص افتتاحي)
" إن النظريات العلمية مثلها مثل جبال الجليد في البحار القطبية، فيه جزء ضخم منغمر، ليس علميا. ولكنه ضروري للتطور العلمي، في هذا الجزء المنغمر، تقع النقطة العمياء في العلم الذي يعتقد أن النظرية العلمية هي انعكاس للواقع. إن ما هو علمي خاصيته أنه لا يعكس الواقع، بل يترجمه إلى نظريات متغيرة قابلة للتكذيب.
إن تاريخ المعرفة العلمية ليس تاريخ تراكم وتوسع، إنه أيضا تاريخ التحولات والقطائع والانتقال من نظرية إلى أخرى، فالنظريات العلمية فانية وهي علمية لأنها فانية... ولذلك فإن المعرفة العلمية تتقدم في مستواها التجريبي بمراكمة {الحقائق}، وفي مستواها النظري بإلغاء الأخطاء. إن حركة العلم ليست حركة في اتجاه امتلاك الحقيقة، إنها حركة تختلط فيها المعركة من أجل بلوغ الحقيقة مع الصراع ضد الخطأ"
إدغار موران ــ علم مع وعي.

المحور الأول: التجربة والتجريب
يجمع العلماء على ضرورة التمييز بين التجربة الخام بما هي حصيلة ملاحظاتنا للظواهر وبين التجريب كخطوة منهجية أساسية في المنهاج العلمي، يبد و أن التجربة الخام لم تلعب أي دور في نشأة العلم الكلاسيكي سوى دور العائق. من هنا مناداة باشلار بضرورة انفصال النظرية العلمية بما هي إنشاء فكري نظري عن التجربة الحسية، والملاحظة العادية،لأن هذه المعرفة في نظره لاتنتج سوى بادئ الرأي(الحس المشترك)
وبادئ الرأي مخطئ من حيث المبدأ. انه يفكر تفكيرا سيئا.ويترجم الحاجات إلى معارف.
أما التجريب العلمي فهو الجزء التطبيقي و العملي للمنهاج التجريبي.كما دشنه فرنسيس بيكون و هو المنهاج الذي يتميز بخصائص أساسية أهمها الملاحظة والتجريب،ثم الطريقة الافتراضية الاستنباطية ،ثم الصياغة الرياضية لينتهي إلى صياغة القوانين العلمية.
إذا كان العالم ينطلق من ملاحظة واقعة معينة فان التجريب كما يعرفه كلود برنارد هو الانتقال من الملاحظة العادية إلى الملاحظة العلمية،عن طريق توفير الشروط اللازمة لدراسة الظاهرة مع الاستعانة بالأدوات والأجهزة التي تساعد على ذلك،إنه إنشاء للظاهرة مخبريا.ومساء لة منهجية للطبيعة من أجل إرغامها على الجواب إن علماء القرون الوسطى بالرغم من أنهم كانوا يقضون أوقاتهم في تعذيب الطبيعة كي تبوح لهم بأسرارها .فان الطبيعة لم تجبهم بشيء .لأنه كانت تنقصهم الروح التي تميز المنهاج العلمي الحديث، وهو التجريب، لذلك فالتحول الذي سيحدث بالفعل قطيعة بين الفيزياء الحديثة والفيزياء الكلاسيكية، هو اكتشاف جاليليو أهمية التجريب،إلى درجة أن سمى تلامذة جاليليو أكاديميتهم أكاديمية التجريب، فلا علم بدون تجريب، وأن الماء يصعد في المضخة لا لأن الطبيعة تخاف الفراغ ــ كما كان يعتقد من قبل ــ بل نتيجة ضغط الهواء عليه.
إذا كان الهدف من التجريب حسب التصور التقليدي هو التحقق من صدق وصحة فرضية ما،وإذا كانت الفرضية من إبداع العالم واقتراحه، ألا نكون بصدد تجربة ذهنية أو عملية فكرية؟ ما دور العقل والخيال في بناء النظرية العلمية؟ يقول كلود برنارد في هذا الصدد:
"ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب على فكرة متكونة من قبل، وينبغي على عقل صاحب التجريب أن يكون فعالا، أعني أنه يتعين عليه أن يستوجب الطبيعة، وأن يوجه إليها الأسئلة ليرغمها على الجواب"
إن الفرض هو مرحلة الإبداع في الاستدلال التجريبي، ذلك أن وضع الفروض من عمل الفكر يدخل فيها مايقال أنه حدس من جهة،وبحث طويل من جهة أخرى، فالإبداع من صنع الخيال، والمقصود بالخيال الخيال العلمي الرياضي ،لأن الطبيعة لا يمكنها الإجابة إلا على الأسئلة التي يطرح عليها في صيغة رياضية( أرقام ورموز، وأشكال هندسية) يكو ن فيها العلم مضطرا بأن يفسر بها الواقع باللاواقع، ما هو موجود بما ليس موجودا، هكذا تقترن التجربة بالعقل والخيال. لقد صرح كويري "بأن التجربة في مفهوم جاليليي وليدة خيال عجيب، وأن فكرة تحويل السقوط من سقوط حر في الطبيعة إلى السقوط على سطح مائل
(يصنع في المختبر) هي إحدى سمات العبقرية.." هكذا يلعب العقل والخيال دورا هاما إلى جانب المعطيات التجريبية،فمنذ القرن 19 ظهر اتجاه ابستمولوجي (وييل) في انجلترا وكلود برنارد في فرنسا، يؤكد دور العقل وقدرته على تفسير الظواهر وبيان أسبابها، ومع تطور العلم أصبح لايحرم البحث عن الأسباب والتساؤل عن طبيعة الظواهر وماهيتها، كالطاقة والكهرباء والضوء... بل هذه الأسئلة أصبحت مشروعة وضرورية لتقدم المعرفة العلمية، فلم تعد مهمة النظرية العلمية مهمة وصفية تقف عند حدود العلاقات بين الظواهر كما كان يدعو إلى ذلك الاتجاه الوضعي التجريبي.

النص: " أعتقد أن واقعة تجريبية لايمكن أن تكون علمية إلا إذا استوفت شرطين:
1 ــ أن تكون قابلة لإعادة الصنع، وهذا يتطلب أن تكون محاضر إعداد التجربة وإجرائها دقيقة بما يكفي للتمكن في أزمنة وأمكنة أخرى من إعادة التجربة.
2 ــ أن تثير اهتماما.. قد يكون تطبيقيا عمليا (تكنولوجيا) أونظريا. يقوم الاهتمام التطبيقي في الاستجابة لحاجات بشرية، أما الاهتمام النظري، فإنه يعني أن البحث يدخل ضمن إشكالية علمية قائمة، وفي هذه الحالة يكون الهدف من التجريب، حسب التصور التقليدي هو التحقق من صدق أو صحة نظرية ما.
من أين تأتي الفرضية؟لا وجود لفرضية دون وجود لشكل من أشكال النظرية، والنظرية تتضمن دائما كيانات خيالية يتم التسليم بوجودها، ويتعلق الأمر هنا بالعلاقات السببية التي تربط السبب بالنتيجة، والواقعة النظرية تهدف إلى إثبات أو تكذيب وجود كيانا نظرية مسلم بها أو متواجهة. لقد ذهب المؤسس التاريخي للمنهج التجريبي فرانسيس بيكون إلى الاعتقاد بأن استخدام التجريب يتيح وحدة التحليل السببي لظاهرة من الظواهر وهذا وهم ... إن التجريب وحده عاجز عن اكتشاف سبب أو أسباب ظاهرة ما، ففي جميع الأحوال ينبغي إكمال الواقعي بالخيالي، وهذه القفزة داخل الخيالي، هي أساسا عملية ذهنية، تجربة ذهنية، لا يمكن لأي جهاز آلي أن يعوضها... وبعبارة أخرى إن التجريب لايمكنه ليكون علميا وذا مغزى أن يستغني عن التفكير ، والتفكير عملية صعبة تفلت من كل رتابة ومن كل منهج" روني توم ــ فلسفة العلوم اليوم ــ جوتيه فيلار 1986 ــ ص129

يطرح النص أهمية التجريب، وشروطه وحدود صلاحيته العلمية.
أفهم المجال الإشكالي للنص:
أصوغ إشكال النص من خلال أسئلة دقيقة، موظفا فيه المفاهيم الأساسية التي تنسج أطروحة النص.
أبني أطروحة النص من خلال :
تحديد تصوره للعلاقة بين النظرية والتجريب، ودور كل منها
في فهم الظواهر الطبيعية.
أحلل أطروحة النص من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية:
*كيف يمكن تمييز واقعة تجريبية علمية عن غيرها من
الوقائع؟
· ما وظيفة التجريب حسب النص وهل يعتبر وحده كافيا
لفهم وتفسير ظواهر الطبيعة؟
· يتحدث النص عن تجارب ذهنية إلى جانب التجارب المختبرية ، وضح ذلك؟
· أحلل وأناقش:
يطرح النص العلاقة بين التجريب والتفكير كشكل من أشكال النظرية، أوضح هذه العلاقة، وأناقش مدى أهمية العقل ودوره إلى جانب التجريب في فهم الوقائع العلمية وبناء النظرية الفيزيائية.

المحور الثاني: معايير النظريات العلمية:
إذا كانت التجربة هي بداية معرفة الواقع، ونهايته، فهل تقدم النظرية نموذجا عقليا للواقع يستمد صلاحيته من التجربة والتحقق الاختباري؟ أم إنها إنشاء عقلي حر يستمد صلاحيته من اتساقه المنطقي الداخلي،و ليس من مصادقة التجربة عليه؟ وهل يمكن الحديث في هذا المجال عن معايير أخرى لاختبار النظرية؟
تحتل الأطروحة الإختبارية التجريبية موقعا أساسيا في معالجة هذه الإشكالية على اعتبار أنها تقرن تصورها للنظرية العلمية بتصور فلسفي للواقع، يؤكد على نزعة اختبارية تقف عند المعطى الحسي. فالنظرية العلمية وفق هذا التصور تقدم صورة عن الواقع الذي تدرسه، ونماذج عقلية تعكس بنيته في قوانين علمية تتصف بالدقة والكلية ، تستمد صلاحيتها من التجربة، غير أن تطور العلوم بما رافقه من اكتشافات خاصة في مجال الميكروفيزياء، انطلاقا من نظرية " كوانطوم الطاقة" لماكس بلانك، و"نسبية اينشتاين" وغيرها...... فتح أمام العلم آفاقا جديدة و طرح مشاكل ابستمولوجية عويصة أجبرت العلماء على مراجعة المفاهيم العلمية، وإعادة النظر في تصوراتهم حول المادة،و الموضوع العلمي، وكذا طريقتهم في التفكير، انتهت إلى تجاوز المنهج التجريبي الكلاسيكي، ذلك أن جزئيات الذرة لا تقبل الملاحظة بالمجهر الإلكتروني، ولا يمكن التجريب عليها، وعلى حد تعبير غاستون باشلار:" إن الذرة مجمع رياضي لم يفصح لحد الآن عن سره" ومن ثم فإن الدور الأساسي أصبح يتمثل في استعمال الرياضيات، والمنهج الفرضي الإستنباطي، وهذا يؤدي إلى طرح المبدأ الأساسي في فلسفة الوضعيين التجريبيين ,هو مبدأ التحقق التجريبي،، فلم تعد التجربة بالمعنى الكلاسيكي (البيكوني) تشكل معيارا حاسما للحكم على فرضية ما، لقد اتخذت الظواهر الحسية صورة رموز رياضية ، فلم يعد الواقع العلمي ذلك المعطى المباشر الذي يمد العالم بمعلومات،لقد أصبح الواقع في مفهومه العلمي المعاصر،بنية، لا كائنات أو جواهر، إنه شبكة من العلاقات التي تنسجها الدوال والمعادلات الرياضية، لذلك أصبحت التجربة بعيدة عن المحسوس المشخص لتتخذ طابعا عقليا نظريا، فالمفاهيم الرياضية المجردة هي التي تقدم أطرا للتحقق والتجريب.
نتيجة لذلك ظهرت عقلانية جديدة، هي على حد تعبير غ. باشلار "عقلانية مفتوحة"، و ظهر معها مبدأ تعدد الاختبارات. وفي هذا الإطار اعتبر كارل بوبر أن التجربة الحاسمة لا توجد في العلم، وأن النظريات العلمية لا يشترط فيها أن تكون قابلة للاختبار اختبارا نهائيا، وإنما أن تكون قابلة للدحض والتكذيب بالتجربة،و إن هذه الطريقة تهدف إلى اختيار النسق الذي يبدو أصلح من أنساق أخرى، وذلك بتعريضها كلها لأقسى صراع من أجل البقاء، وفي نفس الاتجاه ، ومن موقع العقلانية المعاصرة، اعتبر اينشتاين بأن لا جدوى من التجربة في نسق الفيزياء النظرية، وأن العقل العلمي وحده يملك القدرة على فهم الواقع، غير أن مهندس النظرية النسبية لا يفك الارتباط بين النظرية والتجربة ، بل حدد لكل منهما موقعه، فالعقل العلمي يمنح النسق بنيته، أما معطيات التجربة فينبغي أن تكون مطابقة تماما لنتائج النظرية. غير أن ممثل المواضعاتية في فرنسا هنري بوانكاريه اعتبر بأن أساس تقدم العلم هو البحث عن اليسر والملاءمة، فهو المعيار الذي ينبغي أن يعتمده العالم في اختيار نظرياته وتفاسيره. فالنظرية لاتكون صحيحة أو خاطئة، بل ملائمة أو غير ملائمة، لأنه لا يمكن التأكد تماما منها بواسطة التجربة. إن النظريات العلمية في نظره مجرد مواضعات ووصفات علمية، يمكن الإستعاضة عن إحداها بالأخرى إن بدت لنا أكثر ملاءمة، وعلى هذا النحو تصبح للنظريات العلمية قيمة عملية (إجرائية) ومؤقتة، و لاتمثل حقائق ثابتة مطلقة بدليل بأنها تعدل وتغير باستمرار، وإن كان موقف بوانكاريه قد تعرض لنقد شديد من العقلانية المعاصرة...

النص"تنطلق النزعة التجريبية والإختبارية من أن المعرفة تابعة للموضوع الواقعي، فالمعرفة هي صورة الموضوع الواقعي،ولوحة ينعكس عليها هذا الموضوع،فهي ترجع كل التصورات الفيزيائية إلى نسخ التقطت عن طريق الحواس لموضوعات الطبيعة.هذا على مستوى المعرفة، أما على مستوى النظر إلى المعرفة ترفع الإختبارية مبدأ قابلية التأكد كمعيار للتأكد من القضايا.وإذا كانت النزعة الإختبارية ترى في المعرفة العلمية استمرارا للمعرفة الحسية، فإن نقد العقلانية المعاصرة يتخذ صورة تمييز بين الموضوع الواقعي أو المعطى، وبين موضوع المعرفة العلمية من حيث هو ليس معطى،بل المعطى وقد أضيفت علية الصبغة النظرية فتحول إلى موضوع معرفة علمية...أي أن الانتقال من الموضوع الواقعي إلى موضوع المعرفة لايتم بشكل خطي متواصل ــ كما تدعي النزعة الإختبارية ــ بل بطفرة نظرا لوجود قطيعة ابستملوجية بين الاثنين تجعل كل منهما في استقلال عن الآخر، لأجل هذا ترفض العقلانية المعاصرة المزاعم التجريبية محاولة إعطاء العلم صورة لائقة ألا وهي الأكسيومية، ومعنى كون العلم أكسيوميا أنه غالبا ما ينطلق من تصوراته نفسها كي يصل إلى الأشياء، وإذا كنا لا نلاحظ هذه المسألة جلية في الفيزياء الكلاسيكية فإنها تظهر بصفة مكشوفة في الميكروفيزياء حيث جميع التجارب تقوم على مبادئ ونظريات أفرزتها المعرفة سلفا، وأضحت بمثابة شروط نظرية للتجربة، فهي تجربة مملاة سلفا من ضرورات نظرية وعقلية،وكونها مشروطة يعني أن طرائقنا وإجراءاتنا وأساليبنا في البحث هي التي تلعب الدور الأساسي والحاسم فيها، فهي إذن حاصل ممارستنا العلمية،وناشئة عن إجراءاتنا المتبعة في إيجادها والعثور عليها، ومعرفتها".

الأسئلة:
أ ــ مستوى الفهم والتحليل:
1 ـ حدد الإشكال الذي يطرحه النص في صيغة إشكالية مبرزا طبيعة المفارقة التي يطرحها النص وبالاعتماد على مفاهيمه الأساسية.
2 ـ حدد ملامح الانتقاد الإبستمولوجي الذي وجهته العقلانية المعاصرة للرؤية التجريبية الإختبارية.
3 ـ ما هو تصور العقلانية المعاصرة للموضوع العلمي؟
4 ـ قارن بين مفهوم التجربة في التصور الكلاسيكي التجريبي، وتصور العقلانية العلمية المعاصرة.
5 ـ حدد دلالة المفاهيم التالية: الواقع ـ الموضوع العلمي ـ القطيعة الإبستملوجية ـ الطفرة
ب ــ سؤال المناقشة:
هل يمكن الحديث عن تجربة بالمعنى الكلاسيكي في مجال الميكروفيزياء؟
علل إجابتك.



المحور الثالث: العقلانية المعاصرة.
سبقت الإشارة أنه بتأثير من التطورات التي عرفتها مختلف العلوم، وخاصة في مجال الميكروفيزياء، ظهرت عقلانية جديدة عملت على مراجعة أسس ومبادئ المعرفة العلمية، وتكسير أطر المعرفة الكلاسيكية التي سماها باشلار "بالعقلانية الديكارتية" التي أفرزت مفاهيم إبستمولوجية ديكارتية تقوم بالأساس على مفاهيم: البداهة والبساطة أو الوضوح الشيء الذي يخالف الممارسة العلمية المعقدة في الفيزياء المعاصرة،وقد امتد هذا النقد للعقلانية الكلاسيكية ليشمل مفهوم العقل، مما أدى إلى تمزيق الإطار النظري الذي كان يتحرك فيه العقل، ونسق المبادئ التي كان يتأسس عليها كمبدإ الهوية، ومبدأ عدم التناقض والثالث المرفوع،فبالرغم من أن فلسفة كانط اعتبرت بحق لونا عقلانيا أكثر انفتاحا عن باقي الألوان التقليدية، وبالرغم من تخليها عن فطرية المعرفة، وبرفضها لبعض اعتبارات النزعة العقلانية الديكارتية، إلا لم تخرج عن الأطروحة التقليدية للعقل بوصفه خزانا من الأفكار والمبادئ القبلية، وأنه بنية ثابتة، ومنظومة قواعد ومعايير تامة التكوين والإنجاز. إن العقلانية العلمية المعاصرة باستنادها إلى العلم أعادت النظر في هذا المفهوم الكلاسيكي للعقل،ونظرت إليه على أنه طاقة وفعالية، وراهنت على دوره وفاعليته في إنتاج المعرفة العلمية، فلم يعد العقل بنية ثابتة قبلية متعالية، أو أنه شيء جاهز اكتمل تكوينه،بل على أنه في طور التكوين،والنشأة، والتأسيس، إنها تقر بدينامية العقل الجدلية، وبحوار العقل والتجربة، إن العقل يراجع ذاته باستمرار، فهو في نقاش أزلي وصراع أبدي مع ذاته.إن التصور لا يصيب وبكيفية متآنية أطر العقل وبنيته، وفي هذا الإطار يقول باشلار:"إن العقل ليس شابا، إن عمره بقدر مشاريعه وفتوحاته.."غير أن العقلانية المعاصرة رغم انشدادها للعقل، وإيمانها بدوره وفاعليته في العلم فإنها لم تهمل العنصر التجريبي هكذا نجد غ. باشلار يقر بأن تقدم العلم يدفعنا إلى إعادة النظر في نزعتين كلاسيكيتين: النزعة العقلانية والنزعة التجريبية، ليخلص إلى أن العقلانية والتجربة مرتبطان في الفكر العلمي برباط غريب ومتين مثل الرباط الذي يجمع بين اللذة والألم، ففي انتصار إحداهما تبرير للأخرى، إن التجربة في حاجة لأن تفهم، والعقلانية في حاجة لأن تطبق... إن التجريبية بدون قوانين واضحة و متناسقة لايمكن أن تدرك،والعقلانية بدون حجج ملموسة وبدون تطبيق على الواقع المباشر لاتقنع تمام الإقناع ، إن التجريبية والعقلانية تكمل إحداهما الأخرى، وإن التفكير العلمي يعني أن نقف في الميدان الإبستملوجي بين النظرية والتطبيق، وهذا يعني أن المعرفة العلمية رغم ما حدث فيها من انقلابات وهزات، وبالرغم من أن الفيزياء المعاصرة أفرزت تصورا رياضيا لافيزيائيا للواقع ، فإن هذا لا يعني أن المعرفة العلمية معرفة صورية مجردة، إن المعرفة العلمية تهدف إلى تقديم صورة عن الواقع، والكشف عن العلاقات التي تربطك بين ظواهره في شكل نظريات علمية تتطور وتتجدد باستمرار، يقول إنشتاين" إن المفاهيم العلمية إبداعات حرة للعقل البشري، يحاول بواسطتها أن يقدم صورة عن الواقع، أقرب ما تكون من حققيقة ذلك الواقع، حقيقة يقترب منها العلم دون أن يتمكن من الإمساك بها كليا.." وإذا كان الواقع العلمي الجديد ــ على حد تعبير باشلارــ بنية لا أشياء وجواهر، فإن الفكر العلمي هو الآخر بنية تتشكل وتتطور من خلال الممارسات العلمية، وكل مقالة في الطريقة العلمية، ستكون دائما مقالة ظرفية، ومؤقتة ولن تصف بنية نهائية للفكر العلمي يقول باشلار:" إذا ماجزمنا بأن للمعرفة تاريخا، فإن الفكر يصبح ذاتية متغيرة،إن الفكر العلمي في جوهره تعديل للمعرفة، وتوسيع لأطرها، إنه يحكم ماضيه التاريخي ويلعنه، لذا فإن بنيته هي وعيه بأخطائه التاريخية، فالحقيقة بالمعنى العلمي، تعديل تاريخي لخطأ عمر طويلا"

النص:
" لو أمكن أن نترجم فلسفيا الحركة المزدوجة التي توجد حاليا في التفكير العلمي، فإننا نلاحظ تعاقب القبلي والبعدي واجب، وأن التجريب والعقلانية مرتبطان في التفكير العلمي ، بواسطة رباط غريب أقوى من الذي يجمع بين اللذة والألم،وفعلا فإن أحدهما ينتصر بالتسليم للآخر: فالتجريب في حاجة لأن يفهم، والعقلانية في حاجة لأن تطبق، وأيضا فإن التجريب من غير قوانين واضحة ومنسجمة و غير استنتاجية لا يمكن أن يفكر فيه أو يعلم، كما أن العقلانية إذا لم تستند إلى حجج ملموسة، وإلى تطبيقات على الواقع المباشر لايمكن لها أن تقنع تماما، ويمكننا أن نبرهن على قيمة قانون تجريبي إذا ما جعلنا منه قاعدة للتفكير، ونعطي الشرعية لتفكير ما عندما نجعل منه قاعدة لتجربة، فالعلم الذي هو مجموعة حجج وتجارب ومجموعة قواعد وقوانين في حاجة إلى فلسفة مزدوجة القطب: العقلانية والتجربة، فالأولى متممة للثانية" باشلارــ فلسفة اللا ــ ص4

أسئلة التحليل:
1ـ ما هي الأسس التي تقوم عليها العقلانية المعاصرة؟
2 ـ كيف يطرح النص العلاقة بين القبلي والبعدي، بين العقل والتجربة؟
3 ـ حدد أطروحة النص والحجج المؤسسة لها.
سؤال المناقشة:
ناقش تصور النص لطبيعة التفكير العلمي وأسسه، على ضوء مواقف أخرى من نفس الإشكال.

*موضوعات للبحث والتقويم:
ــ هل المعرفة العلمية استمرار للمعرفة الحسية؟
ــ يعتبر كلود برنارد التجربة ملاحظة ثانية وضح ذلك على ضوء الملامح الأساسية للمنهج التجريبي.
ــ "إن النظريات لاتكون حقا علمية إلا إذا كانت قابلة للخضوع لاختبارات تجريبية"
حلل هذا القول وناقش قيمته المعرفية مبرزا إلى أي حد تشكل التجربة معيارا حاسما لصدق وصحة النظرية العلمية.
ــ إذا كانت التجربة هي بداية كل معرفة متعلقة بالواقع فأي دور يبقى للعقل في العلم؟
ــ هل يمكن الحديث في ظل التطورات العلمية عن عقل ثابت لا متحول ؟ علل إجابتك.
ــ "إن العلم يبني موضوعاه، ويصنعها، فهو لا يجدها قائمة مكتملة قي التجربة".
اشرح هذا القول مبرزا دلالته في إطار العقلانية العلمية المعاصرة وتصورها للموضوع العلمي.
ــ هل الاكتشافات العلمية ترجع إلى فعالية المنهج الفرضي الاستنباطي أم إلى الاستقراء؟
ــ يقول إنشتاين" إن العلم يلزمنا بإبداع وخلق نظريات جديدة يكون الغرض منها هدم ركام التناقضات التي أصبحت تعيق الطريق أمام تقدم العلم، وجميع الأفكار الأساسية في العلم نشأت داخل هذا صراع مأساوي"
حلل هذه القولة، وناقشها مبرزا قيمة النظريات العلمية، وحدود صلاحيتها في ظل التطورات التي يعرفها تقدم المعرفة العلمية المعاصرة.

**المراجع المعتمدة:
العقلانية المعاصرة بين النقد والحقيقة. سالم يفوت ــ دار الطليعة بيروت
مدخل إلى فلسفة العلوم .ع الجابري ج 2 دار النشر المغربية
كيف أرى العالم؟إنشتاين فلامريون1934 باريس
علم مع وعي إدغار موران ــ فايار1982

الأخلاق الواجب


الواجب

إن التجربة الأخلاقية تكشف مدى خضوع جل السلوكات الإنسانية لمجموعة من القيم والمبادئ التي توجه وتحدد مجمل التصرفات الإنسانية رغم أنها تتعارض أحيانا مع رغباتنا وإراداتنا ومصالحنا. فالواجب الأخلاقي يحضر في كل تصرفاتنا، ويشكل أساس كل القيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية….ويضفي عليها طابع الضرورة والإلزام، كما أنه يعطي للفعل الإنساني معنى.

فماذا نعني بالواجب الأخلاقي؟وما الذي يمنحه صفة الإلزام والإكراه؟ومن أين يستمد الواجب سلطته؟ ثم كيف يتم الوعي بهذا الواجب؟وأخيرا ما علاقته بالمجتمع؟

01 ــ ما الواجب؟
يدل مفهوم الواجب على ما ينبغي القيام به مما يطرح مشكلة علاقته بكل من الإرادة والحرية والوعي.
يرى الفيلسوف الألماني كانط أن الواجب التـزام عقلي حر،نقوم به بدافع الإرادة الطيبة من جهة،وامتثالا لمقتضيات العقل الأخلاقي العملي(العقل المشرع) من جهة ثانية.إنه لا يخضع للميولات الذاتية ولا إلى المصالح الفردية،و لا إلىأية قوة خارجية.يقول كانط"إن التجربة الداخلية والشعور الأخلاقي لايتولدان إلا بواسطة صوت العقل الذي يخاطب كل شخص بكل وضوح، وعليه فإن كل إنسان يجد في عقله فكرة الواجب ويرتعب حينما يسمع صوته المدوّي كلما استيقظت فيه بعض الميولات والنوازع التي تدفعه إلى انتهاكه"
إن الواجب الأخلاقي حسب كانط أمر قطعي ومطلق وغير مشروط بأية ميول ورغبات أو نتائج نفعية عملية.
إن هذا التصور الكانطي للواجب الأخلاقي لقي نقدا شديدا من طرف فلاسفة آخرين حيث اعتبروه تصورا مثاليا ومجردا، فمن منظور سوسيولوجي وضعي اعتبر عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم بأن الصفة الأساسية للفعل الأخلاقي هو الإلزام والاستجابة لماهو مرغوب فيه،فلا يمكن غض الطرف عن نتائج الفعل الأخلاقي، يقول دوركايم"يتعين أن تكون الغاية الأخلاقية التي نسعى إليها مرغوبا فيها بجانب كونها إلزاما أخلاقيا.فالصفة الأولى للفعل الأخلاقي هي الإلزام لكن صفته الثانية الملازمة هي كونه محط رغبة"كما أن نيتشه بدوره انتقد التصور الكانطي للواجب الأخلاقي لأنه متعالي عن الشروط الواقعية للحياة إذ أن ما ليس ضروريا لحياتنا يهدد الحياة بالانهيار.

02 ــ الوعي الأخلاقي:إذا كان القانون الأخلاقي حسب كانط هو الذي يضفي على الفعل الإنساني قيمة، فكيف يتم الوعي بالواجبات الأخلاقية؟وما مصدر هذا الوعي أهو العقل أم الغريزة أم المجتمع؟
لقد اعتبر التصور الفلسفي الكلاسيكي أن الوعي الذي يشكل ماهية الإنسان هو مصدر الفعل الأخلاقي، غير أنه ينبغي في هذا إطار التمييز بين الوعي بالمعنى الأخلاقي والوعي بالمعنى السيكولوجي. فالوعي بالمعنى السيكولوجي هو ذلك الحدس الذي بواسطته يعي الإنسان ذاته ويدرك العالم الخارجي،بينما يقصد بالوعي الأخلاقي قدرة الفكر على إصدار أحكام معيارية(قيمية) حول القيمة الأخلاقية لبعض الأفعال الفردية أو المجتمعية، ومن خلال هذا الوعي يشعر الإنسان بمسؤوليته اتجاه أفعاله وأفعال الغير، هذا الوعي بالمفهوم الأخلاقي هو مايطلق عليه بالضمير الأخلاقي .فما هو أصل هذا الوعي؟ وما مصدره؟
إذا كان كانط قد أرجع الوعي الأخلاقي إلى العقل، فإن الفيلسوف الفرنسي ج.ج.روسو اعتبره متجدرا في الطبيعة الإنسانية،أي أنه فطري وغريزي نحس به يقودنا تلقائيا إلى التمييز بين الخير والشر، غير أن التأكيد على فطرية الوعي الأخلاقي يتجاهل العوامل والشروط التاريخية والموضوعية التي ساهمت في انبثاق هذا الوعي وعملت على تطويره.وفي هذا السياق فسر الفيلسوف نيتشه نشأة الوعي الأخلاقي بعوامل تاريخية وتجارية كالعلاقة التجارية الأولى بين الدائن والمدين،مع ما رافقها من قوة وعنف وانتقام
أدت إلى تشكيل تصوراتنا عن الخير والشر والواجب والضمير، وبارتباط مع هذا التصور ترى المادية التاريخية(الاتجاه الماركسي)بأن النظريات الأخلاقية ليست ثابتة وخالدة تعلو عن التاريخ لأنها تعبر عن شروط الوجود المادية والاجتماعية للأفراد و لأنها الأداة الإيديولوجية لسيطرة طبقة الأغنياء على الفقراء وتبرير الهيمنة والاستغلال،وبالتالي فالاستلاب الأخلاقي لا ينفصل عن أشكال الاستلاب الأخرى، كما أن القيم الأخلاقية تتغير وتتطور بتطور البنيات الاجتماعية والاقتصادية ومستوى وعي الأفراد.
وفي سياق البحث والتنقيب عن أصل الوعي يرى عالم النفس فرويد من منظوره السيكولوجي أن الوعي الأخلاقي أو الضمير يشكل جزءا ضمن البنية النفسية للفرد والتي تعمل على الحفاظ على تكيفه واندماجه مع منظومة القيم السائدة في مجتمعه ،بحيث يجسد الضمير الأخلاقي منظومة النواهي والممنوعات الثقافية (الطابوهات) التي تحافظ على التوازن النفسي للشخص من جهة أولى والتماسك الاجتماعي من جهة أخرى.

03 ــ الواجب والمجتمع.ما علاقة الضمير الأخلاقي الفردي بالمجتمع وبالضمير الجمعي؟
إن الأخلاق لا تنفصل عن العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع، بل إنها توجد في قلب كل القيم الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية الأخرى لذلك يرى دوركايم من منظوره السوسيولوجي أن المجتمع هو أساس كل سلطة أخلاقية باعتباره كيانا يعلو على سلطة الأفراد،لأن كل فعل لا يقره المجتمع على أنه أخلاقي لا يكسب صاحبه التقدير والاحترام،فالمجتمع بواسطة التنشئة الاجتماعية يرسخ في وعي أفراده ما ينبغي القيام به من واجبات،وما يلزم الابتعاد عنه من نواهي.وهو الذي يمنح لقواعد السلوك صفة الإكراه المميزة للإلزام. فضميرنا الأخلاقي لم ينتج إلا عن المجتمع،ولا يعبر إلا عنه، وفي نفس الإطار يرى برغسون أن الأفراد يخضعون في سلوكاتهم لنظام المجتمع وسلطته بالرغم من أنه يظهر بأنه مؤلف من إرادات وحريات الأفراد، إنه في العمق نسق من الإكراهات التي يفرضها المجتمع إلا أنه يتوجب على الأفراد الانفتاح على الواجبات الكونية أي تلك التي ترتبط بالإنسانية جمعاء،من أجل تعزيز قيم السلم والتعايش، دون إغفال الواجبات تجاه أجيال المستقبل.

السياسة الحق والعدالة

الحق والعدالة

تمهيد وطرح إشكالي: يتحدد الحق باعتباره قيمة أخلاقية وعقلية،مما يجعله يتعارض مع ماهوواقع من جهة أولى، ويضفي عليه الطابع المعياري من جهة ثانية،بمعنى ما يجب أن يكون في مقابل ماهو كائن ،إنه يؤسس المشروعية السياسية للدولة المعاصرة ،أي لدولة الحق والقانون، كما يجسد العدالة كمثال أخلاقي كوني،وكأفق إنساني، وأخيرا إنه غاية وجودية يتطلع إليها الجميع بدرجات متفاوتة.

فما الحق؟وعلى أي أساس يقوم؟ومن أين يستمد مشروعيته؟

01 ــ دلالة مفهوم الحق:ما الحق؟وكيف يتمفصل مع العدالة؟

يدل مفهوم الحق في بعده الشخصي على القواعد العقلية والأخلاقية التي توجه تصرفات الإنسان في علاقته مع ذاته ومع الغير،من منظور ثنائية الخير والشر،والصواب والخطأ.أما من حيث الاصطلاح الفلسفي، فقد حدده أندري لالاند في معجمه الفلسفي كما يلي"إنه ما لايحيد عن قاعدة أخلاقية،يعني ما هو مشروع وقانوني مقابل ماهو فعلى وواقعي"إن هذا التحديد يوسع من مفهوم الحق ليشمل المجال الاجتماعي والسياسي،غير أن ماهو قانوني ليس بالضرورة حقا مما يطرح مشكلة علاقة الحق بالعدالة.

نص الانطلاق:ما علاقة الحق بالعدالة؟ برودون ص162 رحاب.+

رغم اختلاف الفلاسفة في تحديد مفهوم العدالة،فإنه إجمالا يمكن اعتبارها فضيلة أخلاقية،ومساواة بين البشر كذوات عاقلة ،يقول برودون"القوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية"لذا لايمكن فصل العدالة عن مفهوم الحق،لأن هذا الأخير مستمد منها،كما لايمكن فصلها عن المساواة.

02 ــ الحق بين الطبيعي والوضعي:

على أي أساس يقوم الحق؟هل على القوة و الأمر الواقع؟أم على العقل و التعاقد؟

يرى مجموعة من الفلاسفة والمفكرين أن حالة الطبيعة[المفترضة]،تميزت بما يمكن تسميته بحق القوة أو حق الطبيعة،أي تلك الحالة التي كان الإنسان يتمتع بها بحرية مطلقة في أن يتصرف كما يشاء، وفق قوته وقدراته،مما يؤدي إلى" حرب الكل ضد الكل"حسب توماس هوبز،وكان القانون السائد هو قانون البقاء للأقوى والأصلح،يقول سبينوزا في هذا الصدد"وعلى ذلك فإن الحق الطبيعي لكل إنسان يتحدد حسب الرغبة والقدرة،لاحسب العقل السليم"بمعنى أن الحق يتأسس على القوة والغريزة، وكأن الأمر يتعلق بالعالم الحيواني.غير أن هذه الحرب الشاملة،وانعدام الإستقرارهي التي دفعت بالإنسان إلى التفكير في حالة الأمن والسلم،والسعي للانتقال إلى حالة المدنية،والتنازل عن بعض حقوقه الطبيعية لصالح حاكم أوأمير، مقابل الحرية والأمن.

إلا أن ج.جاك.روسو اعتبر أن حالة الطبيعة كانت حالة سلم مطلق، غير أن ظهور الأسرة والعشيرة والملكية الفردية أدت إلى بروز صراعات أصبحت تهدد هذا السلم مما فرض على الإنسان الدخول في شراكة اجتماعية، أي في التعاقد من خلال[العقد الاجتماعي]المعبر عن الإرادة العامة المشتركة، مما سيضمن له حقوقه المدنية والسياسية. بذلك تحول الإنسان من الحق الطبيعي إلى الحق الوضعي أي الحق المبني على الاتفاق والمواضعة، والمؤسس على العقل والإرادة الحرة، وليس على الغريزة والرغبة.

03 ــ العدالة باعتبارها أساس الحق:

يرى سبينوزا أن العدالة تجسيد للحق وتحقيق له،"إنها استعداد دائم للفرد لأن يعطي كل ذي حق ما يستحقه طبقا للقانون المدني"بمعنى أنه يتوجب على الحاكم الممثل للدولة، التعامل مع المواطنين كلهم على قدم المساواة ويحافظ على حقوقهم. وفي نفس السياق يعتبرآلان أن هناك تطابقا تاما بين الحق والمساواة،وبالتالي لايمكن تصور الحق إلا في إطار المساواة التي لا تميز بين الأشخاص رغم اختلافهم على مستوى الجنس واللون والثروة يقول"ما الحق؟ إنه المساواة" بمعنى انه لايمكن الفصل بين مفاهيم الحق والعدالة والمساواة،يقول "لقد ابتكر الحق ضد اللامساواة.و القوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية،سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا،أومرضى أوجهالا.أما أولئك الذين يقولون إن اللامساواة هي من طبيعة الأشياء،فهم يقولون قولا بئيسا"،وكأنه بذلك، يعارض القول الأفلاطوني"إمارة العدل أن يسود الأقوى من هو أقوى منه"،وفي نفس الوقت ينتقد الآراء الشائعة التي تروج

للنزعات العنصرية والطبقية،وتشرعن للامساواة بين الأفراد والجماعات.

04 ــ العدالة بين المساواة والإنصاف:ألا تعتبر المساواة المطلقة ظلما؟

يرى الفيلسوف اليوناني أرسطو، أن العدالة والإنصاف متطابقان،إلاأن الإنصاف أفضل،باعتباره الشرط الأساسي لتصحيح ما يلحق العدالة من أخطاء أثناء التطبيق،أخطاء ناتجة عن عمومية قوانينها"إن الطبيعة الخاصة بالإنصاف تكمن بالضبط في تصحيح القانون،وتجاوز عدم كفايته بسبب عمومية خطابه"،فالعدالة التي لاتكيف القوانين ولا تأخذ بعين الاعتبار الحالات الخاصة كالمعاق،والمريض،والطفل.... تعد ظلما !!!

إن الفيلسوف الأمريكي راولس بدوره، يرى بأن العدالة تقوم على قاعدة الإنصاف،الذي لا يضع عراقيل أمام الأشخاص المتفوقين والموهوبين لبلوغ المراتب العليا،شريطة احترام مبدأ تكافؤ الفرص، وفسح المجال للذين أقل منهم للاستفادة من نفس الحظوظ وبلوغ نفس المراتب.

تحليل نص ماكس شيلر: المساواة الجائرة"تقول ألأخلاقية الحديثة بأن جميع الناس متساوون أخلاقيا،وأن لأعمالهم،مهما اختلفت صورها وأشكالها،قيمة أخلاقية.فليس ثمة نعمة ولا مؤهلات،تختلف بحسب الأفراد أو السلالات أو الشعوب....إن مذهب المساواة المطلقة الحديثة تصدر بالتأكيد عن الكراهية والحقد.

يبدو واضحا أن هذه المساواة المنشودة ــ غير المضرة في الظاهرــ تتستر دائما عن الرغبة الوحيدة في خفض الأشخاص المعتبرين أكبر و أعظم من غيرهم،إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل دراجات السلم.ما من أحد ينشد المساواة حينما يشعر بأنه يمتلك قوة أو نعمة، تتيح له أن يتفوق.أما الذي يخشى الخسارة،فهو وحده الذي ينشد العدالة والمساواة العامة...إن المساواة بصفتها فكرة عقلانية لم تستطع أن تحرك إرادة أو رغبة أو عاطفة، ولكن وراء هذه المساواة المنشودة يتستر الحقد على القيم السامية"